دلالات سلاح الإعلام في تشكيل الوعي الوطني.. اليمن مثالاً
بقلم / أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
يجادل البعض من (المثقفين والإعلاميين) المنتشرين على قنوات دول العدوان الذين يقبضوا الأجر الشهري مقابل أي تصريح إعلامي أو حواري (قوائم أجورهم أصبحت مُعلنة للجميع)، بالإضافة إلى أن البعض من هؤلاء المتحذلقين لا زال يستلم راتبه الشهري من مقر عمله في الجمهورية اليمنية عبر وزارة المالية من صنعاء حتى شهر أغسطس 2016م وهو يعيش بالمهجر.
يقول هؤلاء بأن من يقبض على السلطة في صنعاء هم عبارة عن ( أقلية من الانقلابيين ) الذين لا يشكلون إلا أعدادٍ قليلة ومحدودة ، وهذه التصريحات المُضللة للمشاهدين البسطاء في محيطنا العربي هي مشكلة في حد ذاتها، ولكن ربما ذلك التدليس والتضليل الإعلامي يصل إلى الآخرين ومنهم المسـتر/ جون كيري – وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الذي وصف السلطة في اليمن وعاصمتها صنعاء، وصفهم بالأقلية الصغيرة، وأردف عادل الجبير – وزير خارجية السعودية وقال في ذلك المؤتمر الصحفي مع من مدينة جدة بأن الانقلابيين في صنعاء لا يشكلون بضعة عشرات من الآلاف، وقدر أعدادهم ب 50 الف إنسان، أيعقل تسويق كلام ساذج كهذا؟ ولمن توجه الرسالة؟ ولعها رسالة من الجبير لرفع معنويات جنوده في الحدود الجنوبية للملكة السعودية، وكيف يستقيم قول الاخ/ عادل الجبير هذا؟، والسعودية تُجيش وعبر مرتزقتها من (السلطة الشرعية) المزعومة، وقادة الحراك الجنوبي، تجنّد الشباب المغرر بهم من أبناء مدينة عدن وضواحيها للتجنيد بهدف القتال دفاعاً عن الجيش السعودي الهارب من نجران وجيزان وعسير؟!!، حتى التسويق الإعلامي إذا لم يتم ضبط إيقاعه، فإنه يرتد سلباً على قائله، والشواهد على ذلك في هذا الشأن عديدة، إذ لم يعد المشاهد العربي يصدق الدجل الإعلامي لما تبثه قنواتٍ واسعة الانتشار مثل (الجزيرة والعربية والحدث وسكّاي نيوز عربية) وحتى قناة روسيا اليوم التجارية التي كررت أخبار معركة جبهة نهم شرق صنعاء لملايين التغطيات الخبرية التي تحولت إلى سراب خادع.
يدرك المتحاربون من الجانبين اليمني والسعودي بأن نصف المعركة وربما أكثر تدور رحاها في الفضاء الإعلامي فحسب، ولذلك حشدت السعودية وبقية دول العدوان لهذه المعركة إمكانات هائلة، واستطاعت إلى حدٍ ما تحقيق النجاح لمهمتها ولو لحين، إذ حجبت رؤية ما يحدث في أرض المعركة وفي الجبهات من خسائر لقواتهم ومرتزقتهم، ويتم إخفاء حجم الخسائر الانسانية في قتل اليمنيين من المدنيين تحديداً، ولكنها لم تستطع إقناع الرأي العام المحلي، لا في السعودية ولا في اليمن بأن حربها على اليمن كانت مشروعة ومبرره لانعدام الجانب الأخلاقي لها، و إن ما تقوم به من عبث في تدمير اليمن وشعبها الصابر لم يعد أحد يفهمه ولا يبرره ولن يسامحهم التاريخ في ما اقترفوه.
والإعلام بشكل عام له تأثير سحري على النخب المثقفة والعوام من الناس على حدٍ سواء، وتحول إلى مادةٍ مُخدرة قاتلة للعديد من المتابعين ، وتجدهم لا يفيقون من سباتهم إلا على أنغام موسيقى نشرة الأخبار من هذه القناة أو تلك، وللأسف إن العديد من المشاهدين هم ضحايا تلك القنوات التي تعتمد على الدجل الاعلامي ويمضون وسيمضون بقية أعمارهم رهن تلك الدعايات والاكاذيب الإعلامية المزيفة، وهنا علينا التسليم بأن الاعلام لا يصنع الحدث بطبيعة الحال، لكن يمكن أن تزيفه فحسب، خاصة في هذه الأوقات مع ازدياد تكنولوجيا تزيين أو تزييف الوقائع والأحداث والأخبار، والتي قد تتحول إلى مادة إعلامية (سامة) تسهم في تزييف الوعي والعقل على حدٍ سوى، لجيلٍ أو أجيال من الناس، والصحيح هنا يجب على القائمين على أجهزة الاعلام و وسائله المتعددة إعادته إلى مفهومه الصحيح وهو نقل الخبر دون تحريف أو مغالطه، وللمشاهد أيٍ كان أن يقيّم الصورة الخبرية بحيادية تامة كما يراها ويفهمها.
ومن وقائع أحداث الحرب الإعلامية الدائرة في عالمنا العربي وبالذات في مسرح بلدان (أكذوبة الربيع العربي) ومنها اليمن على وجه الخصوص يلمس المتابع لما تنقله وسائل الإعلام بأن دول العدوان ركزت في حملتها الإعلامية على الفبركات والتصنيع الفني للأكاذيب والتدليس، ولكنها لم تعد تجدي نفعاً لدى المشاهد للخبر، فحينما يشاهد جنود الجيش اليمني واللجان الشعبية وهم يطاردون الجنود السعوديين من جبل لآخر، ومن موقع عسكري لآخر، والعالم كله يشاهد عبر الفضائيات العالمية مشهد الجندي اليمني عاري القدمين “حافي” وهو يرفع العلم اليمني بكبرياء فوق دبابات حديثة الصنع مملوكة للجيش السعودي، وتحولت مصفحات ناقلة الجُند لديه من طراز الهامفي والبرادلي والهامر إلى مادةٍ للتسلية ، فتارةً يتم إحراقها ببقايا أوراق (الكرتون) متناثرة أو يأخذون لهم صور (السيلفي) من على ظهورها، إنها مفارقة عجيبة بان يَحرق هؤلاء الفتيان الأبطال بحركة صغيرة مدروسة كل ذلك التضخيم الإعلامي التي ضخته علينا قنوات العربية والجزيرة لأعوام خلت.
والغريب إن دول العدوان لم تكتفي بتحريك إمبراطورتيها الإعلامية الهائلة الموجهة ضد اليمن الجار الفقير، بل إنها نسخت قنواتنا اليمنية الوطنية (اليمن وعدن وغيرها) لتبث نشاطها المعادي من العاصمة السعودية الرياض ومدينة جدة، وشحنت معها الطواقم الإعلامية الفنية من اليمن إلى السعودية براً وبحراً وجواً، وعمدت إلى محاولة التشويش والتعتيم وحتى منع وحجب البث عبر الأقمار الاصطناعية مثل (عرب سات ونايل سات) للقنوات اليمنية الوطنية مثل قناة اليمن من اليمن، وقناة سبأ، وقناة عدن وقناة اليمن اليوم وقناة المسيرة، وقناة الساحات وقناة الإيمان وكلها قنوات فضائية تبث من اليمن، و أيضاً محطات الإذاعات اليمنية والصحف الوطنية العملاقة التي واكبت الدفاع عن الوطن مثل صحيفة الثورة وصحيفة الميثاق وصحيفة 26 سبتمبر وصحيفة اليمن اليوم وصحيفة المسيرة وصحيفة الحارس وصحيفة الوحدة وغيرها من الصحف الوطنية وكلها تعمل بإمكانات مادية محدودةٍ جداً.
أي رعبٍ هذا الذي يعيشون فيه والخوف يغمرهم من تأثير الكلمة الحرة المعبرة عن أرادة اليمنيين الأحرار !!! ، وأي هلع يغرقون فيه من صدق الحروف المُعبّرة عن بطولات أبطالنا الأشاوس من الجيش اليمني و اللجان الشعبية في الجبهات وفي العمق السعودي، أنه سحر الحرف والكلمة الصادقة لا غير.
الخلاصة:
الإعلاميون اليمنيون الأحرار يعملون بطاقاتهم الذاتية الدافعة من أجل اليمن المقاوم للعدوان، فلهم التقدير والاحترام من شعبنا اليمني العظيم، ولم يساند اليمن في معركته الإعلامية المصيرية سوى الإعلام العربي الحر المقاوم وفي المقدمة منها قناة الميادين واسعة الانتشار والتأثير وقناة CBC المصرية وقناة المنار اللبنانية والقنوات الفضائية العربية السورية وقناة العالم الإيرانية، والمواقع الصحفية الالكترونية العربية مثل موقع رأي اليوم اللندنية لصاحبها المفكر الاعلامي الكبير/ عبدالباري عطوان و المواقع الالكترونية الفلسطينية المقاومة كموقع بيليست من غزه ، والمواقع الالكترونية الجزائرية والعُمانية والتونسية.
المشاهد اليمني لا يطمع من قنوات العالم أن تقف معه في المعركة الإعلامية الشرسة، لا لا، بل أنه يطمع في أن تنقل الأحداث كما هي بموضوعية و أمانة مهنية صحفية، ولذلك يضطر أن يتجه المشاهد اليمني و العربي وعلى مضضٍ لمتابعة قنوات دول مشاركة في العدوان على اليمن مثل القنوات الأجنبية : BBC البريطانية ، وقناة الحرة الأمريكية، وفرنسا 24، ونسبياً جداً قناة DW الألمانية واذاعة مونت كارلو الفرنسية الناطقة بالعربية.
إننا كما يقول المتندرين في مجتمعنا، كأننا نعيش في آخر الزمان، والله أعلم منا جميعاً.
محافظة عدن