مبادرة ولد الشيخ بين المحلي والإقليمي
بقلم / عبد الملك العحري
المدخل المناسب لمقاربة مبادرة ولد الشيخ من زاوية طبيعة القضية اليمنية ذاتها كأزمة مركبة ومتعددة الأطراف والمستويات محلية وإقليمية ودولية تتعالق فيما بينها جدلياً في سياقها الزماني والموضوعي، فهي من جهة مشكلة يمنية – يمنية ومن جهة أخرى مشكلة يمنية –سعودية ومن جهة ثالثة مشكلة تقاطب جيوسياسي حادّ.
منذ بداية انطلاق المشاورات في سويسرا أصرت السعودية على حصرها في بعدها الداخلي باعتبارها صراع يمني – يمني وأن دورها مجرد فاعل خير لا يريد جزاءً ولا شكوراً، وعلى هذا الأساس يفترض أن تأتي مبادرة ولد الشيخ انعكاساً للمحادثات اليمنية اليمنية في صيغة تسوية محلية كما حصل في المبادرة الخليجية، وبصرف النظر عن المؤاخذات عليها وحدود التأثير الخارجي فيها؛ إلا أن البعد المحلي كان الطاغي على معظم عناصرها بينما
البعد الإقليمي والدولي هو الطاغي على مبادرة ولد الشيخ والموجه الخفي لمعظم بنودها بما فيها تلك التي تبدو وكأنها محلية خالصة، فمثلاً ابقاء الشرعية الشكلية لهادي يرتبط بحاجة السعودية لاستمرار مبرر شرعية التدخل سيفاً مشهوراً على رقاب اليمنيين أكثر مما هو حاجة ملحة للتسوية المحلية .
بالعودة لذكر المبادرة الخليجية هناك فرق في طبيعة الأزمتين ستنعكس بالضرورة على طبيعة التسويتين، في أزمة 2011م كانت تأثيراتها المباشرة على التوازنات المحلية بالأساس بينما أحداث 21 سبتمبر 2014م لم تخل بالتوازنات المحلية فحسب؛ بل تعدته للإخلال بالتوازن الجيوسياسي، على إثرها صنفت اليمن ضمن الدول “المارقة” في المنظور الأمريكي والسعودي، والمبادرة – في صيغتها الراهنة – تجسيد للرؤية السعودية والأمريكية لإعادة تموضع اليمن “المارق” تؤكد ما نقوله باستمرار ويعاندون في إنكاره بإصرار من أن الحرب سعودية بامتياز على المستوى الإقليمي، وأمريكية على المستوى الدولي، استغلت حالة الصراع الداخلي لفرض تسوية تهيء الوضع الداخلي لتقبل التأثيرات الخارجية مطاوعة الوعي لاستمرار الوصاية الإقليم والدولية بالحسم العسكري كما حاولا، وبالتسوية السياسية كما يحاولون.
يتجلى البعد الإقليمي والدولي في أمور مثل الحدود، منظومة الصواريخ، الممرات المائية، محاولة السيطرة والتحكم بالاستراتيجية الأمنية والعسكرية اليمنية.
انصب اهتمام وتركيز مبادرة ولد الشيخ على أولوية الاعتبارات والمطالب السعودية قبل أي شيء ومن طرف واحد وهو ما تحدث به الوزير كيري مصرحاً أن مرحلة البحث عن الحل في اليمن أولويته أمن السعودية.
أضف لذلك أن اليمن يعتبر بلداً مهماً لكلا النظامين الأمريكي والسعودي كونه يشرف على أهم الممرات المائية، ولا يخفيان قلقهما من ترسانة الصواريخ الباليستية ورغبتهما في التخلص منها أو وضعها تحت الرقابة الدولية في الحد الأدنى وحظر تطوير المنظومة الصاروخية للجيش اليمني كما عكسته المبادرة.
أثار استهداف السفينة الإماراتية قلق الأمريكيين من التطور المفاجئ الذي دخل على القوة الصاروخية وافترض “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” أن السيناريو الأكثر احتمالاً هو وقوع الهجوم بصواريخ مضادة للسفن وموجهة بالرادار، وأضاف أن من المحتمل أن إيران قد زودت قوات الدفاع الصاروخي بصواريخ متقدمة مضادة للسفن، وفي هذا السياق نفهم المزاعم الأمريكية بتعرض سفنها لهجوم صاروخي قبالة السواحل اليمنية بقصد استفزاز قوات الدفاع الصاروخي للرد والكشف عن المزيد مما يحتمل أن تكون حصلت عليه أو طورته.
وإذا فرضنا أن مبادرة ولد الشيخ هي صيغة اتفاق بين أطراف النزاع المحلية فإن المواضيع الآنفة ليست ذات علاقة مباشرة بالصراع اليمني- اليمني؛ بل بمخاوف وأجندات سعودية وأمريكية وهي بطبيعتها أمور سيادية تخص العلاقات والالتزامات المبادلة بين الدول وليس التزام من طرف واحد كما في مبادرة ولد الشيخ، كما لا يمكن أن تكون التزام بين طرفي صراع محليين.
المبادرة بصيغتها الراهنة مساومة سعودية أمريكية تقوم على معادلة السلام مقابل الحدود والصواريخ الباليستية واستمرار انتقاص السيادة اليمنية؛ ففي مقابل المطالب والالتزامات على الأطراف اليمنية أغفلت أي التزامات مقابلة مثل رفع اليمن من تحت الفصل السابع وإلغاء العقوبات المفروضة على بعض القيادات في أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام.
أشرنا سابقاً إلى أن الصراع الراهن متعدد المستويات، وإن كانت في بدايتها صراع يمني- يمني إلا أنها تحولت إلى صراع سعودي – يمني (بصرف النظر عن من يكون المعتدي والمعتدى) والحل يفترض أن يكون على مسارين متوازيين يمني- يمني وسعودي – يمني، غير أن الرياض ترفض أن تكون طرفاً في المفاوضات وتريد تمرير ما تريد عبر الطرف اليمني المتحالف معها، ومن ثم جاءت المبادرة على هذا النحو الهجين بالخلط بين ما هو محلي وما هو إقليمي، وبين ما هو التزام يؤخذ من القوى السياسية وما هو التزام يؤخذ من الدول في اطار علاقات الجوار والعلاقات الثنائية والدولية، وحتى على فرض إدراجهما ضمن نفس المبادرة لكن شريطة الفصل الإجرائي للبعد الإقليمي والدولي بحيث يتحول إلى التزام متبادل بين دول الصراع وفقاً للقانون الدولي والاتفاقات الثنائية.