إلى رَسْــــــوَلِ الله: زُرْنَــا وزُرْ أبطالَــنا
بقلم / أشواق مهدي دومان
إنّه الرَّضيعُ يتلذّذُ في صمتٍ حين يهتمُّ بسمعِه وينصتُ حين تكونَ الحروفُ باسم “مُحَـمَّــد”، فكم مرّة سمع أناشيدَ وأغاني ما فيها ذِكر اسم “مُحَـمَّــد وما أنصت وما أعارها أيَّ اهتمام، لكنّه حبّك يَا سيّدي يَـا رَسُـــوْلَ اللهِ هو فطرةُ الله فينا يخلق مع كُلّ واحد فينا.
كذلك العصفور لم تكن مصادفةً أن يتضاعفَ صوتُ غنائِه وهزيجه وكأنّه يزغردُ حين سماعه اسم محمود السماوات والأرض.
نعم، فُطرت كائنات الله على الإسْــلَام، فالطيورُ تسبِّحُ مثلُها مثلُ بقية الكائنات التي بها روحٌ نابضةٌ.
ونعم تنبضُ قلوبُها بحُبِّ مُحَـمَّــدٍ، فكما هيّأ الله الكونَ وسخّره في محبتك وأنتَ حبيب الله واسمك منقوش على عرش الرّحمن، فكيف لا يهيّءُ القلب والرّوح لمحبتك فِطرة سوية غير ذي عِوج وكيف تعوجّ روح من يعشق ويتلذّذ بذِكر اسمك (فقط) فكيف لو رآكَ؟!
حبيبي يَـا رَسُـــوْلَ اللهِ، ماذا كان سيفعل وما نظرته، وهل سيتنبّأ كما تنبّأ ورقةُ بنُ نوفل بمجرد رؤيتك فعرف أنّكَ الرَّسْــوَلُ الخاتم، وقبله بحيرى الرّاهب الذي رأى في وجهك ختام النّبوة..
أم أنّه سيسافرُ ويجوبُ الأرض بحثاً عن النّورِ الإلهي ويهونُ عليه فُراقُ أهله ووطنه فقط ليتعرَّفَ على دين الحق ويتبعُ رَسْــوَلَه، ويؤمنُ بك نبياً ورَسْــوَلاً كما فعل سلمان الفارسي؟!.
أم أنّنا لو رأينا الغمامةَ تظلّلكَ دوناً عن النّاس كنّا سنعرفك يَـا رَسُـــوْلَ اللهِ ونبيه؟؟
أم أنّنا سنؤمنُ بك من خلال سؤال مرضعتك التي كانت حياتُها جدباءَ
فاخضرّت وأينعت بشياهها حين أرضعتك؟!
قُل لي يَـا رَسُـــوْلَ اللهِ:
كيف كنا سنعرفك لو زُرتنا اليوم، هل بشهادة زوجك خديجة بنت خويلد بأنّ الله لن يضيعك فأنت الصادق الأمين غياث الملهوف ومُقري الضيف، متفقّد الأرحام وغيرها من صفات عرّفتكَ نبياً ورَسْــوَلاً قرّ بك من سمّاك حبيبه وكتب على عرشه اسمك يا مُحَـمَّــد؟!
هل كنّا سنعرفك لو زُرتنا في يمن الإيْمَان والحكمة بحبّك لنا ودعائك لنا بأن يرحمَ اللهُ الأنصارَ وأبناءَ الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، أم هل كُنتَ يَا سيّدي ويا حبيبي ويا سيدَ الكونين كُنتَ ستعرفنا في يمننا هذا وزمننا هذا، كنتَ ستميزنا نحن_ أهل اليمن _ بصبرنا وصمودنا وقيامنا بما أمرت به وَانتهائنا عنْ ما نهيت عنه؟!
وأنتَ على الصراط المستقيم، وأنت النعمةُ التي كلّل الله بها البشريّة لتكونَ يَا مُحَمَّــدُ الرَّسْــوَلَ العربي خاتمَ الأَنْبيَاء وتاجَهم، فالتاج موضوع في قمة الإنْسَـان (أعلى الرأس) وفي غير تفضيل منّا البشر لكنّه الخالق الذي سبق ووسع كرسيه السماوات والأرض؛ وكتب عليه “مُحَـمَّــد”..
فمَن تكونُ أيها المحمود في السّماوات والأرض سوى النّور الإلهي الربّاني الذي بُعثت عليه ك: “رحمة للعالمين” وسيداً للكونين والثقلين اللذينِ وجبت محبتك عليهما وجوبَ وجود الحبّ والعشق لك تقرّبا لله الواحد الأحد، مَن جعلك حبيبه، وأنتَ الشّهاب المترصّد لشياطين الإنس والجن بقوة الحق التي خُلِقت بها منذ بدايات تكوينك إلى يوم مولدكَ الذي كان إيذانا بانتهاء وتهاوي امبراطوريات الشّر والظلام والظلم على بني البشر ففي يوم مولدك يهتزّ عرش كِسرى وإيوانه، وتنها أوثانه..
وتنتصرُ الوحدانيةُ لله على يدك بأولئك المستضعفين والمظلومين حين صرخوا في وجه كفّار قريش صرخات بأن:
الله أَكْـبَـر والموت للظالمين، فينتصرُ النوُر على الظلام في جاهلية ما قبل أربعة عشر قرناً، كما تنتصر روحُ مُحَـمَّــد التي لا زالت تنبضُ في أَرْوَاح من رحل إليهم رَسْــوَل الله متمسكا بدينه الإلهي الذي حاربه عليه الوثنيون غير متقبّلين فكرة القُـرْآن منهج حياة؛ ليعيد التأريخ نفسه وتعود جاهلية في زمننا هذا بعد أربعة عشر قرنا من مولد البشرية وسيدها مُحَـمَّــد بن عبدالله..
تعود جاهلية لربما هي أشد وأنكى..
جاهليةٌ متناسقةٌ مع تداعيات العصر من تطور في الآلة والسّلاح الذي يحاول به أحفادُ أعدائك يَـا رَسُـــوْلَ اللهِ من أعراب وبقايا يهود، يحاولون طَمْسَ هُويتنا اليمانية والعصف بالحكمة التي أثبتها لنا كأنصار لك، حين تشرّف أجدادُنا بنصرك في ساعة العُسرة حينها لم تجد بُدّاً من هجر الظالمين في موطنهم لتؤكدَ أنّ وطنك هو روحُ اليمانيين والذي كنتَ موطنهم فقد رحلوا إليك بأَرْوَاحهم إسْــلَاماً بك (قبل رؤيتك) واستسلاماً للسّماء التي أرسلتك رحمة للعالمين، فآمنت أَرْوَاحُهم بك غيبياً وسكنت َعقولُهم وقلوبُهم بسلام؛ ولهذا أطلقتَ عليهم الأنصار، وأوصيتَ بهم..
لكنّ الظالمين أحفادَ القردة وبقايا أعرابهم ينقضون عهدَهم ويرمون بوصيتك يا حبيبَ الله مع طائرات الموت حين اجتمعوا مع مسوخ البشر وقصفوا بلدة طيبة لإزهاق روح الإيْمَان والحكمة..
نعم يا حبيب الله لم يأبهوا لوصيتك فقد اعتدوا على أحفاد أنصارك ووطنهم ولم يرقبوا في طفل أَوْ شيخ أَوْ امرأة أَوْ بشر أَوْ حجر إلًّا ولا ذمّة..
وها هو المقارب عامين قد أحرقوا فيها محط وموطن أنصارك وضربوا أفراحنا وأحزاننا ولم يجعلوا للموت حرمة كما لم يقيموا للفرحة مكاناً..
قتلوا طفولة أبنائنا يَـا رَسُـــوْلَ اللهِ وهم يحتفلون بأطفالهم في بلدانهم..
حاصرونا جواً وبراً وبحراً.. حاصرونا في عيشنا فكنتَ أنت الحاضرَ في قلوبنا حين حاصرك كفارُ قريش في شِعْب بني هاشم سنتين كاملتين..
ولأنت أسوتُنا ولأنت قُدوتُنا، وكما صبرتَ سنصبرُ، وكما قاومت سنقاوم، وكما هزمتَهم سنهزمُهم، وكما انتصرتَ عليهم سننتصرُ عليهم، فزُرْنَــا لتباركَ خطواتِ رجالنا..
زُرْنَــا ليس لنشكوَ ونبكيَ حقدَهم، فقد عزّت دموعُنا، ولن يروها مِنّا فهي تفرحهم ولكن زُرْنَــا يا حبيبَ الله لتشهدَ انْتصَاراتنا..
لترى رجالَنا في كرّهم يحرّرون مسجدَك وموطنك الشّريف من بقايا مسوخهم..
زُرْ أبطالَنا (أحفادَ أنصارك) وصافحهم بيديك الشريفتين وقبّــلْ جبينَهم الطاهرَ؛ ليقبلوا قدميكَ شرفاً ورفعةً فقد تساموا وعشقوا الشّهادةَ لإعلاء كلمة الله في الأرض..
زُرْنَــا يَـا رَسُـــوْلَ اللهِ لتباهي بالأنصار أمّتك فقد مضوا في خُطاك لم ينحرفوا مثقالَ ذرّة..
زُرْنَــا يا حبيبَ الله لنُفرِحَ قلبَك بأنّك الصادق الذي صدقه اللهُ قوله عنّا _ اليمانيين_: “أولو قوّة وأولو بأسٍ شديد”.
زُرْنَــا في ذِكْــرَى مولدك فقلوبُنا مشتاقةٌ ظمأى لرؤياك..
زُرْنَــا فحنينُنا إليك همْسٌ وبوحٌ فاضت به السّماواتُ وفاخرت به السبعُ الأرْضون..
زُرْنَــا واسقنا من نهر حبّك لنكمل بقية مشوار النّصر ونكتب حكايته وقد بعثت فينا طاقةً وروحاً متجدّدة لا تكلّ ولا تملّ جهاداً حتّى تكونَ كلمةُ الله هي العُليا وكلمةُ الظالمين السّفلى..
زُرْنَــا يا نورَ اللهِ الأعظم..
وحين تزورُنا طَـــأْ قلوبَنا، فأَثَـــرُ قدمك طُهْــرٌ يسمو بأَرْوَاحنا إلى عنان السّماء..
زُرْنَــا فقلوبُنا لك المحلُّ وأهدابُ أعيننا فرشُك.
زُرْنَــا يا حبيبَ الله.