امريكا في أسفل المنحذر
بقلم / حيدر علي
حيث كان يجب علينا أن نعي أنه وبما أن أمريكا هي من ترأس العالم أحادي القطب باقتصادها الذي اشتد عوده على التوسع والاستيطان , التوسع بفرش سجادها الأزرق في أراض جديدة ودول نامية و منخفضة المستوى الاقتصادي والاستيطان فيها (منظمات وفكر واقتصاد ) , وحيث أنها كانت تربح الكثير في خزانتها من نفط وعملاء ومصير دول يربط بمصيرها واقتصاد دول يصير جزء من اقتصادها .
هكذا على مراحل زمنية متفاوتة صارت الولايات الأمريكية تقبع في أعلى الهرم الاقتصادي للعالم تعلن عن كونها طبقة إمبريالية بحتة الحاكم الحقيقي فيها ليست الحكومة ولا الشعب إنما الشركات العملاقة والعالمية جداً .
وهذا هو المغزى ومربط الفرس , أن هناك طبقة رأسمالية متوحشة في أمريكا تتبلور في الشركات الكبرى والعملاقة تنتج أهم المواد والتطور الذي يستخدمه العالم اليوم ويدافع به عن نفسه وهذه الشركات تغدو عالمية وليست الحكومة الأمريكية تملكها أو تتحكم حتى في نشاطها وإنما تشتري منها فقط , ولا يجري الصراع بين هذه الطبقة العملاقة وبين الطبقات الكادحة والعمالية أو البروليتاريا كما عهدنا أن يكون الصراع دائماً في جميع البلدان والحضارات وإنما في أمريكا انبثقت طفرة تاريخية جديدة ليست موجودة في أي صراع تاريخي وهو أن هناك طبقة عملاقة جداً تتبلور في كونها شركات عالمية تتحكم في اقتصاد الدول أعلى من كونها إمبريالية متوحشة , وتليها طبقة رأسمالية كبيرة من برجوازيين وتجار كبار وأثرياء ليست برجوازية صغيرة أو طفيلية , تسكن في وسط الهرم الاقتصادي للولايات المتحدة , وتليها طبقة عمالية كادحة يغلب عليها الطابع الشعبي .
وإذا لاحظنا الآن صوب الصراع الأمريكي سنرى أن الطبقة العمالية التي تنحدر إليها مهمة الثورة غير مفعلة ولم تعد طرف الصراع الآن بينها وبين طبقة الشركات العملاقة وإنما صار الصراع الآن بين الشركات العملاقة التي ولدت من رحم تراتبية الاحتلال والتفسخ الأمريكي وبين الطبقة الرأسمالية الأدنى التي تبقت من رداء الطبقة الرأسمالية القديمة لأمريكا , حيث وصار الصراع الآن بين الطبقة الأكبر والعمالقة وبين الطبقة الرأسمالية في نفس الدولة ونفس الميدان وتم تحييز الطبقة الشعبية للعمال جانباً أي أن الثورة التي لا بد لها أن تحدث في أمريكا الآن إنما ستحدث بقيادة تلك الطبقة الرأسمالية طرف الصراع الآخر وهذا ما يفسر ظهور المرشح للرئاسة الجديد “ترامب” وللنظر في توجهاته وقرارات مواقفه الآن وانجذاب الشعب الأمريكي إليه ووقوف رئيس النقابات العمالية بجانبه , حيث ترامب ليس من طبقة شعبية أو عمالية وإنما هو من طبقة رأسمالية كبيرة وينحدر من أسرة ثرية جداً , فلا يمكن القول أن ترامب أنسلخ من طبقته الأم وتجنس تحت عباءة الطبقة العمالة لأنه ما زال واقفاً في طبقته ومستواه الاقتصادي شأن إدلائه بمواقفه الآن من نفس المنطقة التي يقف عليها ويطرح خططاً جديدة للمستقبل الأمريكي بالتخلي عن السعودية وإيقاف عدوان اليمن وربط العلاقات بين الروس عدو أمريكا اللدود وفضح الخسائر والسقوط التدريجي لأمريكا وشركاتها العالمية .
يبدو أن التاريخ لا يعيد نفسه اليوم لكنه أنتج هجيناً جديداً وطوراً آخر , سيشكل أطراف الصراع حروبهم وتحالفاتهم تحت إشرافه الآن تحت إشراف طورنا الجديد .
والتفسير هنا أن طبقة عملاقة جديدة تكونت فجأة فوق كل الطبقات القديمة التي تسكن أمريكا , تكونت من تلقاء اقتصاد الهوى واستعمار الدول من قبل هذه الشركات وتلك الأخيرة ليست تدعم اقتصاد أمريكا حتى وإنما هي مجموعة كبيرة من شركات عالمية ترأس السوق التجاري بالكامل شركات عالمية من كل الدول استوطنت في أمريكا وتبيع لها ولا تدعم اقتصادها الوطني بل تضعفه بالكامل فهي مجموعة من الوكالات تستثمر في أمريكا , ورؤسائها الذين يقطنون أمريكا إنما هم وكلاء أجانب (كمبرادورات) يستثمرون ويتاجرون في أمريكا وبالتالي يحولون دون دعم اقتصادها الوطني أو وإنما يدعمون أقتصاد دول أخرى أجنبية تكوَّنوا من الاستعمار واسترقاق اليد العاملة من أنحاء الدول الأخرى وجلبهم للعمل في أمريكا وبالتالي يكثرون من أتساع رقعة البطالة في الولايات المتحدة ويضعفون اقتصادها شأن أنها شركات عالمية وأجنبية تواجدت من تأسيس دول أخرى وتكثيفها على أرض الولايات المتحدة وهذه هي الطبقة العظمى التي نتكلم عنها في أمريكا مما يجعلها (أمريكا) عرضة للإنهيار التدريجي و تراكم الديون الداخلية والخارجية سنوياً على كاحلها .
أما الطبقة الرأسمالية الكبيرة ذات المستوى الأدنى منها هي الطبقة التي تبقت من الرأسمالية الوطنية القديمة ويتبلور الصراع بين هاتين الطبقتين في كونه صراع وجودي في الأساس فالطبقة الأجنبية العظمى تسحق تلك الطبقة القديمة في احتكار سوقها الوطني أولاً وتحويل الاقتصاد الوطني الأمريكي إلى اقتصاد كمبرادوري تابع للشركات العالمية ووكلائها .
ومن هذا التفسير نستنتج أنه من الممكن على الطبقة الرأسمالية القديمة أن تلتحم مع الطبقات العمالية الأمريكية ذات الطابع الشعبي كطرف للصراع أمام تلك الطبقة الأجنبية الكبيرة , والذي يجعل هذا كله ممكناً أن الطبقة الأجنبية العملاقة هاجمت وجودية الطبقة الرأسمالية القديمة بالسيطرة على سوقها واحتكار تجارتها الوطنية و سحقها اقتصاد الدولة و هجومها لوجودية الطبقة العمالية والشعبية في أنها استوردت أيادي عمالية أجنبية مما أدت إلى زيادة البطالة في الشعب الأمريكي , ولهذا يتحرك المسار بالضرورة إلى اتحاد الطبقة العمالية تحت قيادة الطبقة الرأسمالية القديمة ضد طبقة تلك الشركات العالمية وهذا ما يمثل صورة (ترامب ووقوف رئيس النقابات العمالية الأمريكية خلفه ) كظاهرة عامة للسخط الشعبي وطبقاته الوطنية , مما يؤدي إلى تأجيل الثورة العمالية الشعبية إلى ما بعد مراحل تالية في الخارطة الأمريكية , فإن وجد الصراع الآن فإنما يكون صراعاً وطنياً من الطبقات الوطنية الأمريكية ضد الطبقة العالمية العظمى وتحييز الصراع بين الطبقات الوطنية نفسها .
ولابد أن تكون هذا طفرة تطور تاريخي لم تحدث من قبل , والسبب الأكبر في هذا الوصول للمواقف العالمية إنما هو الصمود الشعبي والقتال والثورة اليمنية المعاصرة فصمود مجاهدينا وجيشنا في الجبهات و تحقيق كل تلك الإنتصارات في الميادين ودحر مرتزقة الاحتلال و جيش مسوخ النفط ومرتزقة الشركات العالمية في جنوب الوطن وشماله وحدودهما وإعادة رسم الخريطة اليمنية بأكف لم ترتزق وإنما قاتلت الاحتلال بجانب شعبها وكانت بضعة منهم , ولذلك فإن هذه الانتصارات التي حققها الشعب بهذه الثورة العظيمة قد أدى إلى تسارع تبلور هذا الصراع الطبقي الأمريكي وأسقاط أغشية الخوف عن الشعب الأمريكي والسخاطين على الامبريالية التي تسكنها , ونزع جدران التردد والخوف من عقول ساستها ورجالها , وقد سارعت الثورة اليمنية العظيمة في أن تثبت للعالم كله أن الآله الأمريكي بإمكانه أن ينزف دماً في النهاية ..!! .
مما أدى ظهور التيارات الحقيقية الرافضة لعرش التسلط في أمريكا و تشجعوا إلى أن يصعدوا على عرش رئاسة أمريكا وفضح العلاقات الأمريكية بالوهابية والإرهاب والإقرار بأن (20 ترليون دولار) وأكثر , هو مجموع الدين الذي تدينه أمريكا للخارج على مدار عشرين عاماً تقريباً ناهيك عن ديون أمريكا الداخلية .
لقد ظهرت أمريكا للعالم كله أنها دولة ٌ تشارف أن ينتكث عليها فتلها , تشارف على السقوط من أعلى المنحدر التي ضلت طوال عمرها تصعد عليه , كرجل عجوز كهل يدين للعالم بترليونات الدولارات مقابل رهن بصائر الأراضي التي يملكها . وعلى أمريكا أن تعلم جيداً أن طوق نجاتها الآن بسواعد هذه التيارات المعارضة للسقوط الأمريكي وبناء جدار أمريكي شريف من جديد ,عليها أن تؤمن بهذه التيارات المتمثلة بترامب الذي يلتف الشعب حوله الآن ونقاباتهم العمالية .
فيا أخوتي المرابطين في ميدان الكرامة ويا أخوتي المجاهدين من أجل إعادة رصف الهوية الأم للإنسان اليمني , وعداً حقاً من الله ومن شعبٍ ما يزالون يؤمنون بتلك الشعلة في ضلوعكم أن النصر لا يبعد عنا إلا بضع شهورٍ وأيام , وما علينا إلا الصبر وتحقيق المزيد المزيد من الحرائق في عباءة الطغيان العالمي , فأمريكا أنقلبت صواريها على الأرض و قرن شيطان الحجاز شارف على الإنكسار , ولا يبقى إلا نور الله فينا وذلك المارد اليمني المجاهد الذي لا يبقي ولا يذر . فطيف النصر يراودني في المنام كل يوم ..