في رحاب الشهداء
د. أسماء الشهاري
الشهداء.. هم أناس أعزاء كرماء لا يرضون بالضيم ولا يقبلون عيش الصغار والهوان و لو سكبوا لأجل ذلك الدماء.. الشهداء..
هم أناس كان يجهلهم أهل الأرض ويعرفهم أهل السمـاء.. فاشتاق لهم أهل السماء.. الشهداء..
كان جسده يمشي على الأرض لكن روحه كانت تزداد رفعةً وعلواً كل يوم حتى طالت أكثر فعانقت السماء.. الشهداء..
كانت السماء تتزين كل ليلة شوقاً لتعانق روحه الطاهرة.. الشهداء.. هم الذين سقوا بدمائهم الطاهرة شجرة الحرية و الكرامة، فازدادت بركةً و نمـاء.. الشهداء..
ذهبت عنَّـا أجسادهم لكن أطياف أرواحهم ترفرف حولنا وتشِّع نوراً و ضياء ينير لنا الدروب لِنُكمل مسيرة النصر المنشود.. الشهداء..
هم من لان لهُم الحديد وتقهقر أمام قوتهم كُلَّ جبّارٍ عنيد..
لأنهم استمدوا قوتهم من قوة الله و بطشوا بأعدائهم ببطش الله الشديد.. الشهداء..
هم من يعلمون عالم الماديات معنى الإيمان و الثقة بالله وأن الصمود والنصر ليس بالعدد مهما كَثُر ولا بالعتاد مهما كانت قوته و فتكه لأن القوي من استقوى بالله وحده فجعل كل شيء يتلاشى أمام بأسه وصموده.. وأن النصر ليس إلا من عند الله وحده.. الشهداء..
هم من لا تجف دمائهم تحت التراب لأنها تتحول إلى براكين ثائرة تتفجَّر تحت أقدام الطغاة و تقتلع المجرمين.. الشهداء..
هم من يبكي الفجر كل يوم شوقاً لتراتيلهم وصلواتهم.. الشهداء.. هم من تحِن الفيافي و القفار لصولاتهم وجولاتهم.. الشهداء..
هم من تُسبِّح الرمال تحت أقدامهم، وتنحني الجبال لشموخ هاماتهم وتداعبهم الشمس بخيوطها الذهبية لتستمد ضيائها من وهّج أنوارهم.. الشهداء..
هم من كانوا الأمان لنا في ظلام العالم المُوحِش.. الشهداء..
مدرسة من العطاء، فهم يعطون كل ما يقدرون عليه في سبيل نصرة الحق ويتوجون هذا العطاء أخيراً بدمائهم الزكية وأرواحهم العطرة.. الشهداء..
نبع من القيم و الأخلاق، يعطون ولا يأخذون، يترفعون عن سفاسف الأمور، يضحون براحتهم وأرواحهم و حياتهم لأجل حياةِ الآخرين حتى وإن كانوا يخالفونهم في الرأي أو يسيئون إليهم.. الشهداء..
هم باعوا أنفسهم من الله واثقين بما عنده مُستبشرين ببيعهم الذي بايعوا الله به لأنهم يعلمون أنه سبحانه لا يخلف وعده و هم من يبذلون أقصى ما يستطيعون دون أن يلتفتوا للمقصرين و المتخاذلين من حولهم.. الشهداء..
هم من عشقوا في سبيل الله الموت فوهب لهم الحياة.. الشهداء..
هم من علمونا معنى الحب في حياتهم و معنى التضحية بعد رُقيهم لخالقهم.. الشهداء..
هم من نظل نبتسم كل ما تذكرنا مُحياهم.. وتظل ذكراهم تُعطِّر الأجواء..
الشهداء هم من شَيعتُهم على الأرض ملائِكةُ السمـاء.. الشهداء..
هم الوحيدون الذين يزفون أثناء تشييع جثامينهم الطاهرة ويُرشون بالفل والورود و تنطلق لأجلهم زغاريد الفرحة والبهاء.. الشهداء..
هم من خصّهُم الله بالإصطفاء فجعلهم في مقام الصالحين الأتقياء ورفعَهُم إلى مقام الأنبياء و ألبسهم تيجان الكرامة وكساهُم حُللاً من الضيـاء.. الشهداء..
هم من يفخر أهلهم و ذويهم ويفاخرون بهم ما داموا أحياء.. الشهداء.. في الدنيا كُرماء و في الأُخرى شُفعـاء.. الشهداء..
هم من يحفرون أسمائهم و صورهم في ذاكرة الخلود ولأجلها تُقام المتاحف و لذكراها يترنم الكون و يزدانُ الوجود.. الشهداء..
قد لا يمتلكون الكثير من الدراهم والنقود لكنهم يمتلكون العزة والكرامة وهي أغلى ما في الوجود.. الشهداء..
كانوا يرون أنفسهم غالية جداً و ليس لها ثمن سوى جنات المجيد الودود .. الشهداء..
هنيئاً لهم القرب من العدنان و الرضا من الرحمن والروح والريحان و النعيم و الجِنان.. فليناموا في هدوءٍ وسلام أقراء الأعين لأننا قد عاهدناهم أنَّا سنكمل طريقهم الذي بدأوه وأن راية النصروالحق التي رفعوها لن تسقط أبداً ما دامت الأرواح في الأبدان.