من رفاقه وجنوده تحقيق الانجاز الكبير”.

كتب عبدالحميد الغرباني 

المشاهد التي وزعها الإعلام الحربي في تلك الفترة ما تزال عالقة في الوجدان اليمني، وهناك في الربوعة ما تزال آثار الحرب الضروس والمعارك الضارية التي جرت في المدينة محفورة في كُلّ منعطف وزاوية ومبنى منها، لقد ترك اليمنيون هناك بصماتِهم التي لا يمكن أن تنمحي أَوْ تزال أَوْ يهال عليها الترابُ حتى ولو صدأت عشرات الآليات العسكرية السعودية الأَمريكية الصنع أَوْ جرى الخلاص منها..

لا بد وشيء ما سيظل ماثلاً هناك يستحضره الجميع وسيتوقف الجميع، إنه عنفوان المقاتل اليمني الذي كان يهب بالكلاشنكوف وبالمتوسط من السلاح ليحرق فخر الصناعة الأَمريكية، في حالة لم تُسجَّلْ في تأريخ المواجهات من ذي قبل..

لم يقاتل اليمنيون بمفردهم في المعارك التي خاضوها هناك في الربوعة وما يحاذيها من مواقع عسكرية، لقد قاتل معهم وجعُهم وألمُهم الكبير الذي صنعته جرائم العدوان التي تخطفت اليمنيين في كُلّ منزل وسوق..

إقتحامُ قيادة حرس الربوعة والمواقع السعودية المجاورة تحول استراتيجي في المواجهة مع العدو !

تتوسع القراءة العسكرية للصايدي للعمليات في المحور الشمالي بقطاع عسير فتذكر أن (الحروب العسكرية هي عبارة عن إدارة، إدارة الحروب من وحدة القيادة والأمر)، ويضيف الصايدي وهو يشير إلى النجاح الفائق للسيد عَبدالملك الحوثي في إدارة المعركة مع العدو وتوجيه معادلات الرد والردع”، قيادة المعركة الكلية والمصيرية كانت من أَسباب النجاح، معارك المقاتلين اليمنيين في عسير وغيرها من الجبهات الخارجية بينت أن المقاتل اليمني تحت قيادة فذة ومجربة وأن ثمة علاقةً بين القيادة والجندي الميداني وطيدة، بحيث أمكن أن تنفذ مثل هذه العمليات بهذه الدقة دون تراجع ودون هوادة”.

من منظور عسكري يظل (نقل المعركة بحد ذاته إلى الربوعة والمواقع العسكرية السعودية المجاورة لها في ظل السيطرة الجوية للعدو معجزة حقيقية وعملاً بطولياً كبيراً وتحولاً استراتيجياً وهذا يدل برأي الأكاديمي بكلية الشرطة عبده الصايدي “أن هناك عقولاً خططت للمعركة ودرست المنطقة بدقة وراقبت وفي الأخير باغتت العدو في عقر داره وحققت انتصاراً غير مسبوق).

يستذكرُ رفيق الشهيد الغيلي، عَبدالحكيم الحامس، قصةً حدثت مع الشهيد أبي حسن، فيقول: (في ذات مرة ترك المجاهدون موقعاً عسكرياً كانوا قد سيطروا عليه، وخلالَ جولة استطلاعية للشهيد القيادي أبي حسن الغيلي وَجَد أن عناصرَ من عناصر العدو قد تسلّلت إلى الموقع وبدأت تستهدفُه بوابلٍ من القنابل اليدوية، فوقف أبو حسن لمواجَهة العدو بصلابة واستدعى عبرَ الجهاز اللاسلكي مجموعةً من المجاهدين ثم أحدثوا بعد ذلك اقتحاماً لذلك الموقع ومواقعَ مجاورة سقطت في غضون دقائقَ معدودة، وتم تدمير خلال هذه العملية بمفردها أَكْثَــرَ من 18 آليةً عسكريةً، فضلاً عن مصرع أعداد من الجيش السعودي بشكل يُثيرُ الدهشة ويعكِسُ مدى العَون الإلهي للمجاهدين.

الغيلي أسطورةٌ بعيون أَفْرَاده ومن راقب جهده العسكري

عاش أبو حسن الغيلي مع مجاميعه كفَرْدٍ منهم وليس كقائد، كما كان محمودَ السيرة طيِّبَ السُّمعة عند الجميع ويشهدُ له كثيرون بحِرْصٍ مميز على مقتنيات العمل الجهادي صَغُرَت وَكبرت، ويروي شقيقُه ماجد الغيلي أن أبا حسن الغيلي ذات مرة وهو عائدٌ من الجبهة لزيارةِ أُسرته تعرَّضَ لحادثٍ مروريٍّ أدَّى إلى تضرُّر السيارة التي يقودُها بشكل كبير فطلب من أُسرته تحمل تكاليف إصْلَاح السيارة التابعة لعمله؛ كونه كان في زيارة شخصية وليس في إطار عمله، وما كان من الأسرة إلّا أن نفّذت ما أراده أبو حسن الغيلي) وهذا يعكس إلى درجة كبيرة حرْصَ الشهيد الغيلي على الحفاظ على ممتلكات العمل الجهادي وعدم استغلالها شخصياً واعتبار ذلك جزءً من الاخلال في العمل المناط به.

وأكد بعضُ رفاقه في المعارك بعسير أنه كان كثيرَ التشديد على تجنُّب أخذ أوْ اقتناء أَي شيء من ممتلكات المواطنين في المناطق التي سيطر عليها المجاهدون في قطاع عسير، وهو أمرٌ دَأَبَ عليه المجاهدون جَميعاً، فمَن باع نفسه لله لا يمكن أن يستهويَ نفسَه متاعٌ بسيطٌ هنا أوْ هناك

يقولُ الخبيرُ الاستراتيجيُّ والأكاديمي بكلية الشرطة عبده فازع الصايدي: (الشهيد الغيلي هو أسطورة بكل ما تعنيه الكلمةُ من معنىً، ومع إني لم أعرفه شخصياً، وإنما تابعتُ وراقبتُ المعاركَ التي خاضها مع رفاقِه في المحور الشمالي بقطاع عسير، يمكنني القول إنه قائدٌ غيَّرَ مجرى المعارك، واستطاع أن يُلغيَ نظرياتٍ عسكريةً كانت على درجة عالية من الثبات والديمومة في كثيرٍ من مناهج الكليات العسكرية، لقد أتى بنظرياتٍ عسكريةٍ عملياتية نُفّذت على الأَرْض وستستوعبها النظريةُ العسكرية مستقبلاً).

ختاماً ونحن نتحدث عن هذا البطل العظيم والذي قدَّمَ مع رفاقه عشراتِ التجارب العملية أن المقاتل اليمني هو الماردُ الأشجع على مستوى العالم، نؤكّد أن عدوَّنا الأحمقَ لا يعرفُ شيئاً عن هذا البطل الهُمَام، وأن كُلَّ هذه المعلومات تكشف فقط إلى أَيِّ مدى يعيشُ عدونا ضعفاً استخباراتياً، وأنه مجرد منظومة هشّة يديرُها آخرون ولن يفلحوا جَميعاً في تركيع العنفوان والمارد اليماني