النظام العربي ووسائل إعلامه , بين كشف التظليل و إخفاء الحقيقة …. خطاب “ترامب ” الأخير إنموذجاً !!
تقرير/ محمد أحمد الحاكم
شهدت الساحة الإعلامية العربية و الإقليمية و الدولية سباقاً إعلامياً متناهي المدى , بين مختلف الوسائل الإعلامية , تنافست خلالها حول كيفية إستثمار زيارة الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” للمنطقة العربية والأقليمية , وعلى وجه الخصوص السعودية و إسرائيل ,وما الذي ستسفر عنه هذه الزيارة من نتائج متعددة الجوانب و الأطر التي تهم العالم في إطاره العام , و المنطقة العربية و الإسلامية في إطاره الخاص .
صحيح أن هذا السباق الإعلامي المحموم قد ابتدأ منذ قرابة الأسبوعين , و ما زالت تلك الوسائل تخوض غمار هذا السباق الى حد الآن , خاصة بعد إنتهاء جدول برنامج الزيارة الأولى لهذا الرئيس و التي كانت الى السعودية , والبدء بتطبيق برنامج الزيارة الثاني إلى إسرائيل , إلا أن ما يهمنا في هذه المقالة هو الوقوف عند نقطة واحدة وهي قراءة طبيعة ما تقوم به مختلف الوسائل الإعلامية العربية و الدولية من كشف و توصيف النتائج المضللة لطبيعة هذه الزيارة , و إخفاء النتائج الحقيقية لهذه الزيارة , وكيف يكون لهذا الأسلوب من أثر ظاهر ومخفي يؤثر على الشارع العام العربي و الدولي .
في المنظور العام نؤكد القول بأن طبيعة أي زيارة لمسئول رسمي عالي المستوى لأي دولة أخرى , تكون مرهونة وفق بروتوكولات دوبلوماسية تحدد وتنظم طبيعة تلك الزيارة على مختلف الصعد , وما ترغب إليه السياسة العامة للدولة الضيفة و الدولة المستضيفة , وعلى ذلك نرى أن معظم التقارير و الأخبار و التحاليل السياسية و الإقتصادية الصادرة عن مختلف الوسائل الإعلامية الدولية و الإقليمية تأتي وفق ما تشتهيه تلك السياسات التي تحكم البلدين و تحكم طبيعة و هدف تلك الزيارة , وهذا ما تجلى تطابقاً في الزيارة التي قام بها هذا الرئيس الأمريكي للسعودية و من ثم الى إسرائيل , إذ لوحظ بأن طبيعة التوصيف الإعلامي المواكب لهذه الزيارة قد أخذ مسار ذو وجهين الأول ظاهر و الثاني باطن, وبناء على هذا فأننا سوف نقوم بتفنيد ذاك الوجهين كلاً على حدة .
أولاً …. فيما يخص الوجه الظاهر
وفيه سنتحدث أولاً وبصورة مقتضبة حول نتائج زيارة “ترامب ” للسعودية وما شملته نتائج الثلاث القمم التي عقدت في الرياض سواء على المستوى البيني للولايات المتحدة الامريكية مع السعودية على حدة ,أو على المستوى البيني للولايات المتحدة مع دول الخليج كافة من جهه , ومع الدول العربية و الإسلامية من جهة أخرى , ومن ثم سنتحدث أيضاً و بصورة مقتضبة حول النتائج المتوقعة من زيارة ” ترامب ” لإسرائيل .
تمثلت ملامح طبيعة و أهداف هذه الزيارة حسب ما تم الترويج له إعلامياً حول توثيق وتدعيم أواصر الشراكة و العلاقات الإستراتيجية متعددة الطباع , فكانت الطبيعة السياسية قد أثمرت في تحقيق الشراكة المستدامة لتوافق الرؤى و الأهداف و التوجهات وهذا ما تجلى فيما أُعلن عن ” الرؤية الإستراتيجية ” و أيضاً إنشاء ما سُمي بــ ” مركز إستهداف مصادر تمويل الإرهاب في العالم ” والهادفة جميعها الى مكافحة الإرهاب والتطرف، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين , ومواجهة مخاطر ما سُمي بالخطر ” الإيراني ” وكل ما ألصق به من مسميات الأذرع التي يدعى عليها بأتباعها لإيران في كلاً من ” اليمن ” و ” سوريا” و ” لبنان ” و” العراق ” .
ما يخص الطبيعة الإقتصادية و العسكرية فقد أثمرت في تحقيق العديد من الإتفاقيات الإقتصادية في عدة مجالات أبرزها تطوير مجالات البنية التحتية وفق ما يعزز رؤية السعودية 2030 المتجلية دلالاتها في تحقيق أي تقدم اقتصادي قائم على تنويع مصادر الدخل الاقتصادي للسعودية بعيدا عن النفط ، وبما يعمق من أثر ودور المملكة إقليميا وعالميا عبر تعزيز وسائلها الدفاعية وتطوير قدراتها العسكرية .
على الجانب الآخر تبدأ اليوم الجولة الثانية من زيارة ” ترامب ” الشرق أوسطية و التي ستتجه نحو ” إسرائيل ” كونها الحليف الأكثر من إستراتيجي لأمريكا في المنطقة إن لم تكن في العالم , وعلى الرغم من أننا لا نستطيع معرفة ما ستحققه هذه الزيارة من نتائج مختلفة , إلا أنه يمكننا التكهن حول عدة آراء متعددة الإتجاهات أبرزها ما يلي:-
1- ترميم العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، خاصة وان الفترة الأخيرة قد شهدت خلافاتٍ حادّةٍ بين الحليفتين الإستراتيجيتين ،إذ أنها وصلت مؤخراً قبل تولي ” ترامب ” مقاليد الحكم إلى الحضيض نتيجة الخلافات الشخصيّة التي ظهرت بين أوباما وبين رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو.
2- تجنيد وتجييش إسرائيل واللوبيات الصهيونيّة واليهوديّة في الولايات المُتحدّة إلى الوقوف إلى جانبه في معاركة الداخليّة التي يقودها على عدّة جبهات؟
3- نظراً إلى إنّ الرئيس الأمريكيّ قد حصل على ما أسماه البعض بـ “جزية القرن” من السعوديّة ، فأنه سيضطر من أجل الحفاظ على موقعه في البيت الأبيض بدفع ما يمكننا أيضاً بتسميته بالــ “جزيّةٍ” لإسرائيل وللوبيات اليهوديّة والصهيونيّة لمُساعدته في درء الخطر الذي يتهدّد كرسي الرئاسة ، خاصة و أن ترامب بالفعل محتاج لإسرائيل في ظل ما حققه من مشاكل داخلية بين مختلف الدوائر السياسية و القانونية و الدوبلوماسية التابعة للإدارة الأمريكية.
4- ما يخص الشأن الفلسطيني فأنه من المتوقع أن يطلب ترامب من ” نتنياهو ” و إلى جانبه الرئيس الفلسطيني بالقيام بتحقيق خطوات بناء الثقة بين الطرفين , وبما يفضي الى تجديد محادثات السلام بينهما خاصة و أن العالم العربي و الإسلامي باتا على مقربة شديدة في التطبيع الكلي مع إسرائيل , و الذي تجلى في القمة الدولية التي عقدت يوم أمس في الرياض و التي حضرها أكثر من ( 50) دولة عربية و إسلامية .
5- عدم التطرق في الحديث عن الخطوات و التوجهات التي تقوم بها إسرائيل من توسع في الإستيطان على الأراضي الفلسطينية , في الوقت الذي سيطالب فيه ترامب من ” عباس ” و السلطة الفلسطينية التوقف عن التحريض وأعمال العنف ضدّ إسرائيل، بالإضافة إلى وقف دفع المخصصات لعائلات الـ”مُخرّبين الفلسطينيين” ، خاصةً و أن هذه المطالب قد جرى التأكيد عليها مسبقاً خلال لقائهما في واشنطن مؤخراً .
ثانياً … ما يخص الوجه الباطن
يعتبر هذا الوجه المحور الرئيسي و المعني من سرد هذه الوقائع و الأحداث و التكهنات , فعلى الرغم من أن ما تم ذكره أعلاه قد عكس الصورة المتداولة لما أرادت أن تبديه تلك الأنظمة ووسائلها الإعلامية المتعددة من تبجيل و تعظيم ما تبحث عنه الأنظمة العربية لشعوبها من سلام شامل ودائم , قائم على الأمن و الإستقرار في المنطقة , وبما يفضي إلى إحداث تطور ملموس في البنية السياسية و الإقتصادية لبلدانهم , إلا أن تلك الأنظمة ووسائلها الإعلامية الممنهجة , قد أخفوا الصورة المذلة التي رسمها ” ترامب ” تجاههم وتجاه الدين الإسلامي , و الشعوب العربية و الإسلامية , والتي بدت تجلياتها و مكمون صفاتها خلال إلقائه لكلمة بلاده في القمة الأمريكية – العربية – الإسلامية , إذ أن ما تم أبرازه وتناوله كان مغايراً تماماً لما حملته معاني ومظامين كلمته , إذ أنها تعكس مدى العنصرية التي يمتلئ بها عقل ذلك ” المعتوه ” في مقابل ما يحمله أولئك ” الحثالة ” العربان و المتأسلمين من إنحطاط أخلاقي و قيمي و كرامة و ذل ومهانه لا تقاس ولا تطاق .
هناك مجموعه من الملاحظات التي تم إستقصاء معانيها من وراء خطاب ” ترامب ” يمكن سردها على النحو التالي :-
* استطاع “ترامب” بان يثبت للعالم بأسره مستوى ومدى تفاهة هذه الشعوب و أنظمتها , ذلك من خلال فرض صيغة جديدة تنظم العلاقات البينية بين الولايات المتحدة مع تلك الأنظمة و الشعوب , قائمة على أن تحقيق الأمن و السلام في المنطقة مرهون بمدى قيام الدول العربية و الإسلامية و خاصة منها الخليجية وهي مذعنة بأخذ زمام المبادرة في مواجهة القوى الإرهابية , دون قيام الولايات المتحدة بتقديم أي خدمة تذكر , وهذا ما تجلى في خطابه أمام القمة الأمريكية – العربية – الإسلامية بقوله على ( الدول الإسلامية القيام بتحمل العبء لمكافحة “الإرهاب” ومنع وصول جنود الشر إلى أراضيها) مؤكداً على أن وجود الولايات المتحدة في المنطقة هو من أجل ( تقديم شراكة وليس لإبلاغ أحد بطريقة حياة أو عباده (مؤكداً أيضاً بأن أمريكا (مستعدة للوقوف إلى جانب الدول الإسلامية، لكن لن تسحق العدو نيابة عنهم(.
* رسم الخطوط العريضة لكيفية قيام الخليجيين بربط حبل المشنقة على رقابهم عبر موافقتهم على إنشاء ودعم ما سمي ” بمركز استهداف مصادر تمويل الارهاب في العالم ” رغم معرفة الخليجيين المعرفة المطلقة بأن أكبر و أعظم ممولي هذه الجماعات الإرهابية هم من الأغنياء الخليجيين , وبالتالي فأنهم بهذه الخطوة قد وضعوا أنفسهم وشعوبهم تحت نطاق المراقبة و التقييد المطلق لحرياتهم السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية .
* شرعن صيغة جديدة لمعنى الإرهاب بأن جعله محصور في الدين الإسلامي حيث أشار بأن ما نسبته 95% من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين الذين يُقتلون بسبب الإرهاب الذي يحمله الفكر الإسلامي المتشدد , وبالتالي فأن تحجيم هذه النسبة مرهون بقيام الأنظمة العربية و الإسلامية بملاحقة شعوبهم في كل مكان ممن يخالفهم الرأي و التوجه , وهذا ما تجلى في قوله “أخرجوهم من أماكن عبادتكم. أخرجوهم من مجتمعاتكم… على كل دولة في المنطقة واجب ضمان الا يجد الارهابيون ملاذا على اراضيها”.
* اوجد صيغه جديدة لنمط الحياة العربية و الإسلامية قائمة على إنسلاخ و إنحلال الرجال و النساء من قيمهم ومبادئهم و أخلاقهم عبر الإنفتاح الكامل والشامل , الذي لا يعيقه أي دين أو عرق , وهذا ما تم ملاحظته في قوله بأنه يحمل رسالة “صداقة وامل ومحبة” ، وقوله “علينا الانفتاح واحترام بعضنا البعض من جديد، وجعل هذه المنطقة مكانا يمكن لكل رجل وامراة، مهما كان دينهما او عرقهما، ان يتمتعا فيه بحياة ملؤها الكرامة والامل”.
* قال بأنه سيقوم بأمور عسكرية رائعة لتعزيز أمن حلفائنا المتواجدين هنا , وهو هنا لا يقصد بأمن حلفائه من العرب و المسلمين و إنما يقصد بأمن حليفته الإستراتيجية ” إسرائيل ” , وهو أيضاً لا يعني بالأمور عسكرية التي ستكون من خلال تدخله المباشر في الحروب , لكنه يعني خلق صراعات عسكرية بينية بين الشعوب العربية مع بعضها البعض تحت مسمى محاربة الإرهاب و التطرف .
* عزز ما كنت قد ذهبت إليه مسبقاً في أكثر من مقالة حول قراءة ملامح الفترة القادمة التي ستشهدها المنطقة من صراعات ذات طابع جديد تقوم على تحوير وجهة أهداف الجماعات الإرهابية السنية , فبدلاً من أن تواجه أنظمة الحكم ( السنية ) فأنها ستتحور نحو مواجهة الطوائف الشيعة في كل الأماكن , على إعتبار بأنها الجماعات الارهابية الحقيقية التي تهدد أمن و إستقرار المنطقة و العالم , وهذا ما يمكننا قوله بأن هذا التوجه هو مكمن الهدف الحقيقي لما سُمي بــ ” الرؤية الإستراتيجية ” , وما يدلل على ذلك هو ما ذهب إليه الملك السعودي ” سلمان ” خلال إلقاءه كلمه بلاده في القمه الأمريكية – العربية – الإسلامية بقوله ( ان النظام “الايراني “رأس حربة الارهاب العالمي) وقوله ( لم نعرف إرهاباً وتطرفاً حتى أطلت ثورة الخميني براسها ( مؤكداً عزم المملكة ( القضاء على تنظيم داعش وكل التنظيمات الارهابية ايا كان دينها او مذهبها او فكرها ) أضف الى بعض النقاط الأخرى التي وردت في بقيه خطابه , و التي أتت على نفس السياق السابق .