الشهيد استاذ المجتمع
من هو الشهيد ؟
بقلم أ/ حمود بن عبدالله الأهنومي
الشهيد هو من شهد الموقف الحق، وسافر من الزيف إلى الحقيقة، فتنازل عن الحضور المجازي للحصول على الحضور الحقيقي، تنازل عن الحضور في عالم الدنيا للوجود في عالم الغيب الذي هو عالم الشهادة، حين نظر إلى ذلك بمنظار الحقيقة الكلية، تنازل عن حياته التي ملأها الظالمون ظلما وعتوا وتمردا على الله لكي يحقق للمظلومين حياة أسعد، وعيشا أرغد، واستقامة أوفى، لقد حضر في الموقف الحق الحضورَ القويَّ والفاعلَ بأغلى ما لديه، وهي نفسه وماله، رفعه الله بأن سماه شهيدا، أي حاضرا في الموقف الحق الحضورَ الفاعلَ الكامل، ثم كتب له الحضور والشهود الكامل أيضا في حياة البرزخ، فهو حاضر فيها حي يُرْزَق له أجرُه ونورُه، ثم هو أيضا في الآخرة حاضرٌ حضورا كاملا وشاهدٌ وموجودٌ.
إن الشهادة التي يبدو صاحبها غائبا عن الوجود المجازي في الدنيا هي في الحقيقة حضورٌ قوي ودائم مع الله ووجودٌ مستمر أبديٌّ في رضوانه تعالى، في الدنيا ثم في الآخرة، وهو جزاء وِفاقٌ كتبه الله لهذا الصنف من الناس، الذين ضحَّوا بوجودهم من أجل وجود الآخرين، وشهدوا مواقف الحق تبارك وتعالى فأبدلهم الله بهذه التضحية بأن جعلهم شاهدين موجودين دائما حاضرين في كل موقف وحياة؛ يقول الله تعالى عنهم: (بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، ويقول عز من قائل: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) الحديد19.
إنهم باختراقهم الحُجُب الكثيفة التي تضعها الدنيا وملذاتها وشهواتها ووحلها على أهلها – استطاعوا التحليق في عالم الكمال والجمال والحق، لقد حضروا مقام ربهم، إن أولئك البسطاء من الناس، والذين لم يسبق للمجتمع ولا لنخبه المثقفة والمتعلمة أن تعرّفوا على كثير منهم، هاهم الآن أكثر قربا إلى الله من آخرين كان يُعْتَقَدُ أنهم الأقرب دائما؛ لأنهم استشعروا الواجب العظيم تجاههم فبادروا إليه، بينما تقاعس آخرون عنه، ولأنهم اجتازوا الاختبار الأصعب للقبول بهم حاضرين في مقام العظماء عند الله، وهو تمني الموت وتمني لقاء الله، ألم يختبر الله أولئك المدعين للقرب منه تعالى بتمني الموت، (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة94)، (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (الجمعة6).