المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد عبد الملك بدر الدين 1441هـ 02-05-2020(نص+فديوا)
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات: السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وتقبَّل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.
اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
في محاضرة اليوم نتحدث عن موضوعٍ له علاقةٌ بالصيام، وله أهميةٌ في واقع حياتنا، الله -سبحانه وتعالى- عندما قال في القرآن الكريم عن الصيام: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: من الآية183]، يؤكِّد لنا أيضاً عندما قال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}[البقرة: من الآية184]، أنَّ تشريعه -جلَّ شأنه- للصيام كسائر ما شرعه لنا -جلَّ شأنه- فيه الخير لنا، وهذه قاعدةٌ عامة تجاه كل ما شرعه الله سبحانه وتعالى لنا، أنَّ فيه الخير لنا، وأنه شرعه لنا من منطلق رحمته وحكمته -جلَّ شأنه-، ويأتي هذا إلى كل التفاصيل العملية في مختلف شؤون حياتنا ومعاملاتنا، الخير لنا فيما شرعه الله سبحانه وتعالى لنا.
ومن المعلوم والثابت طبياً أنَّ للصيام الفائدة الصحية، إضافة إلى فائدته التربوية، إضافةً إلى فوائده الأخرى، يأتي ضمن هذه الفوائد وضمن قوله: {خَيْرٌ لَكُمْ}، الفائدة الصحية للإنسان، من المعلوم أنَّ للصيام أثر إيجابي مهم في الصحة، صحة الإنسان، الجهاز الهضمي يؤكِّد الأطباء أنه يستفيد جدًّا من الصيام، الجسم فيما يتعلق ببنيته على مستوى الخلايا، وتجديد الخلايا، وتنظيف الجسم من الخلايا الميتة، وكذلك فوائد أخرى يذكرونها باعتبارهم أصحاب الاختصاص، وتفاصيل كثيرة ليس المقام للدخول في كل تلك التفاصيل، إنما من المعلوم أنَّ للصيام هذا الأثر المهم أيضاً في إنعاش الجسم، في استعادة مناعته… في أشياء كثيرة.
وهذا يأتي بنا إلى موضوع مهم جدًّا فيما يتعلق بالجانب الصحي في الإسلام؛ لأن الجانب الصحي هو مهمٌ في حياة الناس، وله تأثير كبير في شؤون حياتهم، وفي واقع حياتهم، والبشر مجبرون على الاهتمام بالجانب الصحي، سواءً على مستوى الاستطباب (العلاج) فيما بعد المرض، أو في مستوى ما يساعد الإنسان على الوقاية، والمثل الطبي الشهير جدًّا: (الوقاية خيرٌ من العلاج).
والإسلام في تشريعاته في مختلف شؤون الحياة: سواءً على مستوى الصيام، أو التشريعات الأخرى، أو على مستوى جوانب سنأتي للحديث عنها، وأولها عنوان الحلال والحرام، يرعى الجانب الصحي للإنسان، الإسلام في تشريعاته وفي مقدِّمتها الحلال والحرام يلحظ ويأخذ بعين الاعتبار ما فيه الصحة لهذا الإنسان، ما فيه دفع المضار عن هذا الإنسان، فالله -سبحانه وتعالى- أحلَّ لنا الطيبات، الطيبات في المأكولات، في المشروبات، الطيبات في سائر احتياجاتنا في هذه الحياة، قاعدة عامة وعنوانٌ مهم، وحرَّم علينا الخبائث، وهذه أيضاً قاعدة عامة يدخل تحتها الكثير من التفاصيل المذكورة في الشريعة الإسلامية، في النصوص القرآنية عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، وهذا العنوان بحد ذاته يخبرنا عن طبيعة تلك المحرمات، وأنَّ فيها المضار، وفيها الآثار السلبية والخبيثة على الإنسان في نفسه، في صحته، في حياته الاجتماعية، في أمنه واستقراره… يأتي هذا إلى بقية جوانب ومجالات الحياة.
ولذلك الله -سبحانه وتعالى- يؤكِّد لنا في القرآن الكريم مثلاً على مستوى المأكولات، أنه -جلَّ شأنه- أحلَّ لنا الطيبات، قال الله -جلَّ شأنه-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[البقرة: الآية168]، الله -سبحانه وتعالى- هو المنعم الكريم، وكم خلق للإنسان من المأكولات في الأرض مما تدخل ضمن هذا التصنيف، وتحت هذا العنوان وهي الطيبات، والمشترط أيضاً أن تكون {حَلَالًا}: لا تكون مغتصبة، لا تؤخذ بوجهٍ غير حق، وإضافةً إلى ذلك قوله: {طَيِّبًا}، والطيبات قائمتها واسعة جدًّا، في مقابل المحرمات التي هي أشياء محدودة وقليلة، القليل هو المحرم، والكثير هو الحلال، وهو الطيب، وذلك الذي هو محرَّم فيه خبث، وفيه مضار، وفيه مفاسد، وله آثار سلبية على الإنسان في جوانب كثيرة، يقول الله -جلَّ شأنه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[البقرة: الآية172]، يقول الله -جلَّ شأنه-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[المائدة: من الآية4]، ويقول -جلَّ شأنه – عن الرسول صلوات الله عليه وعلى آله-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف: من الآية157]، لو تأتي إلى قائمة المأكولات، تجد أن من نعمة الله علينا- كمسلمين في نعمة الإسلام- أن الله -سبحانه وتعالى- أحلَّ الطيبات وحرم الخبائث، وبذلك حتى في حياة الناس، أن يكون ما يأكلونه من الطيبات، هذه نعمة، وهذه أيضاً ذات قيمة إنسانية وأخلاقية، لو نجد حال الأمم الأخرى التي ليس عندها التزام؛ نتيجة ابتعادها عن الإسلام، ليس لديها التزام فيما يتعلق بالحلال والحرام، كم يأكلون من الحيوانات المحرمة: الحيوانات المفترسة، الحيوانات غير الصالحة، غير المناسبة، غير الطيبة للأكل، يأكلون الحشرات، يأكلون الحيوانات المتنوعة المفترسة كما قلنا، أشياء بشعة جدًّا غير مستساغة؛ إنما لابتعادهم عن الإسلام، ونشوئهم في بيئات سلبية، يتعودون عليها شيئاً فشيئاً فشيئاً حتى يكادون أن يعتادوا عليها، وهي حيوانات كلها وحشرات بشعة جدًّا، غير مستساغة حتى للذوق الإنساني السليم والرفيع، لكن مع البعد عن الإسلام يمكن للإنسان أن ينحط وينحط ذوقه حتى يستسيغ الأشياء السيئة، حتى يستسيغ الخبائث، وأكثرها ذات مضار، ذات شكل أيضاً بشع فيما يتعلق بلونها أو شكلها، عندما تقارن بين شكل الخروف وشكل الخنزير، تجد الفارق الكبير جدًّا، شكل الخنزير بشع، المضار الكبيرة لأكله مثبتة طبياً؛ بينما الخروف، الأنعام بشكلٍ عام: الإبل، البقر، الماعز، الضأن، جميلة في شكلها، ملائمة، مناسبة للأكل، وليس فيها المضار، وبالذات إذا كانت مذبوحةً على الطريقة الإسلامية، ومذكاة، وبطريقة مشروعة… الخ. فهي مستساغة وذات نفع للإنسان، وايجابياتها معلومةٌ للإنسان.
في المأكولات بشكلٍ عام أحل الله الطيبات وحرم الخبائث، في المشروبات كذلك أحل الله الطيبات من المشروبات، وحرم الخبائث، مثل: الخمور، الخمور ذات تأثير سيء، وذات تأثير خبيث في نفسية الإنسان، تخبث نفسية الإنسان، يميل نحو التصرفات والمعاملات السيئة والمنحطة، يفقد الإنسان توازنه ورشده الفكري وتمييزه، لها آثار صحية مدمرة، تضر بصحة الإنسان في أشياء كثيرة، وهذا مثبتٌ طبياً، حتى ليقال أن في بعض الدول الغربية، مثلاً: في أمريكا من أكثر ما يعانون منه صحياً معاناتهم من الخمور، ومستشفيات كثيرة مزدحمين عليها كلها متخصصة في معالجة هذه المشاكل الصحية الناجمة عن استخدام الخمور، كيف تضر بالإنسان في نفسه، كيف تضر به في صحته، كيف تضر به أيضاً في نفسيته، البعض منهم فيما بعد يجن، أو يصاب بأمراض نفسية لا يمكن التعافي منها، أضرار وآثار كبيرة جدًّا.
المخدرات على سبيل المثال كم لها من أضرار كارثية تدمر في الإنسان إنسانيته وحيويته، حتى يتحول المدمن إلى إنسان غير طبيعي في حياته، لا يمكن أن يواصل حياته بشكل طبيعي في أعماله في اهتماماته، في شؤون حياته، في سلوكه، في تصرفاته، إنسان مدمَّر، حالة خطيرة جدًّا.
وهكذا تمتد هذه المسألة إلى تفاصيل كثيرة في حياة الناس، مثلاً في المعاشرة الجنسية، الحلال مأمونٌ وموثوق وطريقة سليمة وإيجابية، وليس لها آثار سلبية على المستوى النفسي، ولا على المستوى الصحي، ولا على المستوى الاجتماعي؛ الحرام له أضرار كبيرة صحياً ونفسياً واجتماعياً، يدمر الأسر، ويدمر البنية الأساسية للمجتمع التي هي الأسرة.
وهكذا نمتد إلى بقية شؤون حياة الإنسان، وتجد هذه قاعدة ثابتة وأساسية: الحلال الطيب هو المناسب، هو الآمن للإنسان، هو الأصلح للإنسان، والحرام الخبيث هو الضار المؤثر سلباً على الإنسان وعلى حياته.
ولذلك نقول أن في الإسلام في تعاليمه، في توجيهاته، في برنامجه للحياة، ما يساعد الأمة الإسلامية أن تكون أرقى الأمم على المستوى الصحي، وللأسف الشديد هناك مشكلة كبيرة في هذا الجانب في عالمنا الإسلامي، هي ناجمة عن عدم الاستيعاب للتعليمات الإلهية كما ينبغي، وللتوجيهات من الله -سبحانه وتعالى- كما يجب، وأيضاً ضعف في مستوى الالتزام بها، ولهذا آثار سلبية.
هناك من الأشياء السلبية أيضاً علينا كمسلمين، ويجب الالتفات إليها والانتباه منها: اللحوم المستوردة، يأتي التجار بلحوم مستوردة من عدة بلدان أجنبية، ويأتون بها إلى عالمنا الإسلامي، وهناك عدة مشاكل تتعلق بهذه اللحوم المستوردة، مشاكل أولاً في مصدرها، هل هي من بلدان إسلامية، أو من بلدان غير إسلامية؟ إذا كانت من بلدان غير إسلامية قد تكون إما لحيوانات محرمة، محرمة فيجتمع الإثم والضرر من استخدامها ومن تناولها، قد تكون أيضاً من الحيوانات غير المحرمة، مثلاً قد تكون من الأبقار، في أوروبا لديهم مزارع أبقار كثيرة، ولكنها ليست مذبوحة بالطريقة الإسلامية، ولا مذكاة إسلامياً، وهم يتعاملون بطريقة إما الخنق للحيوانات، تكون مخنوقة، في نهاية المطاف تكون من الميتة، عندما تكون من الميتة فهي محرمة، وحرم الله علينا الميتة وأكد في القرآن الكريم تحريم الميتة، الميتة من الأنعام حتى، ميتة البقر، ميتة الغنم، ميتة الماعز، ميتة الضأن، ميتة الطيور التي هي من الحلال مثل الدجاج مثلاً، هذه الميتة لها مضارها المؤكدة أيضاً على المستوى الصحي، والمثبتة طبياً، وفي نفس الوقت حرمة التناول، ولها أيضاً آثار نفسية على نفسية الإنسان وعلى مشاعره، التغذية المحرمة والتغذية غير السليمة تترك آثار سلبية على الإنسان في نفسيته، وفي صحته، حتى في مشاعره ووجدانه لها آثار مثبتةً، وهذا شيء طبيعي أن يكون هناك تأثيرات لهذه الأمور على نفسية الإنسان، وهذا أمرٌ معلوم.
للأسف الشديد نظراً أحياناً لتوفر هذه اللحوم المستوردة ورخصها، يعتمد عليها في كثيرٍ من المطاعم، يعتمد البعض من الناس عليها في شراءها بدلاً من اللحوم المحلية، وهذه مشكلة، والمفترض أن يكون هناك رقابة من جانب الدولة، وعناية بهذا الجانب، إضافةً إلى وعيٍ عام لدى المستهلك، لدى الإنسان الذي يشتري، فيكون حذراً حتى لا يأكل الميتة ويؤكِّل أسرته الميتة؛ نظراً للحرمة، وللضرر المؤكد في ذلك.
أيضاً من الأشياء التي هي مأخوذة بعين الإعتبار في التشريع الإسلامي، وفي تعليمات الله سبحانه وتعالى، وتدخل ضمن دائرة التقوى، هي المضار، هناك تركيز كبير في التحذير من المضار في الإسلام، سواءً طريقة الاستخدام للحلال، من خلال الإسراف في الحلال مثلاً، بالطريقة التي تسبب الضرر للإنسان صحياً، أو تناول أشياء معينة بطريقة تكون ضارة، نأتي هنا مثلاً إلى أهمية التغذية الصحية السليمة، كيف تقدم هذه الأشياء التي أحلها الله لنا سليمةً من المضار، بدءاً من الزراعة، هناك الكثير مثلاً من الخضروات البقوليات الاحتياجات التي يستهلكها الناس، وتبدأ المشكلة من عند المزارع عندما يستخدم المكافحات والمبيدات الضارة جدًّا، التي تضر بالإنسان، التي تتحول إلى سموم فتاكة، تنال من صحة الناس عندما يتناولون تلك الخضروات، عندما يأكلون من تلك المنتجات، فينالهم الضرر في صحتهم، بعض المكافحات وبعض المبيدات تتحول إلى سموم تدمر إما الكبد لدى الإنسان، إما تلحق به أضراراً صحية كبيرة في جهازه الهضمي… أو في أي حالٍ من الأحوال، كم أنواع الأمراض التي يمكن أن تصيب الإنسان نتيجة تلك السموم.
استخدام مياه المجاري من جانب بعض المزارعين في المدن أو القريبين من المدن، يلحق أضراراً كبيرة أيضاً، وينشأ عنه- كما يقال صحياً- أضرار كبيرة على المستوى الصحي للناس، ومثل هذه الممارسات يجب الامتناع منها، والحذر منها؛ لأنها ممارسات ضارة؛ وبالتالي محرمة، أيضاً الدولة تتحمل مسؤولية مع المجتمع في مكافحة مثل هذه التصرفات التي تلحق الضرر بالناس وبصحتهم وبحياتهم.
من المشاكل التي هي مشاكل بارزة في بلدنا بالتحديد في اليمن هي مشكلة القات، والإفراط في تعاطيه، يدخل ضمن المضار هذه، الإفراط في تناول القات، لا شك أنه يسبب الكثير من المضار على المستوى النفسي، وعلى المستوى الصحي، وللأسف الشديد من يتاح لهم ويتوفر لهم الكثير من القات، ربما البعض من الفقراء يقتصد إجبارياً، لا يمتلك من النقود ما يخوله أن يحصل على الكثير من القات؛ وبالتالي هو يقتصد إجبارياً ويتناول القليل، لكن من يتاح لهم: إمَّا لأنهم من المزارعين الذين يمتلكون مزارع القات، أو من ميسوري الحال، ويعتادون الإفراط في تناول القات، يمضغ ويتناول كمية كبيرة، ويجلس لأوقات طويلة، وكثيرٌ من القات يكون أيضاً مما يستخدم له مكافحات ومبيدات فيها السموم الفتاكة والضارة بالإنسان، يؤثِّر هذا على صحة الإنسان، يأتي التأثير على المستوى النفسي والعصبي، ويأتي التأثير على المستوى الصحي في الجسم، بسبب الإفراط تحصل الكثير من الأمراض المعروفة والمشهورة لدى الناس، وتأثيرات على المستوى الصحي في جوانب كثيرة: الجهاز الهضمي يتأثر عند الإنسان، الحالة العصبية تتأثر عند الإنسان… أشياء كثيرة تتأثر عند الإنسان، ولكن هناك ضرر أخرى يعود أيضاً إلى حالة التفكير والحالة الذهنية والنفسية لدى الإنسان، المشكلة أنَّ الكثير من ميسوري الحال ممن عادةً إما لهم مواقع في المسؤولية معينة، مواقع مهمة في المسؤولية، وإما لهم أدوار مهمة في الحياة، أدوار اجتماعية، أو أدوار سياسية، أو هم في موقع المسؤولية في الدولة، أو لديهم مسؤوليات عملية مهمة، حتى على المستوى العسكري، أو المستوى الأمني، أو المستوى الاجتماعي، وهؤلاء عندما يفرطون في تناول القات، ويتأثرون نفسياً وعلى المستوى الذهني وعلى المستوى العصبي، يأتي هذا التأثير السلبي إلى واقعهم العملي، حالة الضيق عادةً ما تكون سائدة عليهم، التوتر، الانفعال الشديد، عدم التحمل للأمور، عدم التحمل للمسؤولية، قراراتهم قد تتأثر بذلك، تصرفاتهم وتعاملاتهم قد تتأثر بتلك الحالة النفسية التي يعيشونها، ويأتي مع ذلك مشكلة إضافية، وطبعاً في شهر رمضان الجميع أو الأكثر يسهرون، ويحيون ليالي شهر رمضان، هذه إيجابية، فيما بعد شهر رمضان، مشكلة الذين يفرطون في تناول القات أنهم يعانون من السهر، إما يسهر ويجلس بشكل تلقائي ومقصود، ويجلس يتناول القات إلى آخر الليل، وإما أنه يتناول إلى وقت متأخر القات، ثم لا يستطيع النوم فيما بقي من ليله، يسهر، وعندما يكون الإنسان في موقع المسؤولية أمام الناس، إما مسؤول في الدولة، أو هو مسؤول في عمل مهم: عمل عسكري، عمل أمني، عمل اجتماعي، يؤثر هذا عليه سلباً، النهار إمَّا أنه نائم في وقت العمل، الوقت الذي يفترض به أن يكون مستيقظاً، وأن يتحرك في عمله؛ لأن الله جعل الليل سكناً، وجعل النهار مبصراً للعمل، لطلب المعيشة، للحركة في هذه الحياة، فيكون هو في وقت العمل نائماً، وفي وقت السكون والنوم والراحة مستيقظاً، فتصبح فاعليته ودوره العملي محدود، يضيّع الكثير من الوقت المهم، من وقت العمل، والليل أكثر وقته يمضيه في تطانين، في وساوس، في هواجس، وإذا فكَّر عملياً يفكر بطريقة غير منطقية وغير واقعية؛ لأنه لم يعد إنساناً واقعياً إلى حدٍ كبير، فقد واقعيته؛ لابتعاده عن الواقع العملي، كلما ابتعد الإنسان عن الواقع العملي، يصبح إنساناً غير واقعيٍ في تفكيره، وفي فهمه، وفي نظرته.
إذا كان مسؤولاً في الدولة لا يداوم، يخل بالدوام، يخل بمتابعة معاملات الناس وأمور الناس في النهار في وقت العمل، في وقت حركة الناس في حياتهم، يقصر في مسؤوليته، يتحمل الوزر في ذلك، يأثم، يكون أداؤه العملي مختلاً وناقصاً، منقصةٌ فيه، في التزامه، في إحساسه بالمسؤولية، في إيثاره لرغباته وشهوات نفسه على حساب مسؤولياته وأعماله المهمة في الحياة، إذا كان مسؤولاً في عملٍ آخر على المستوى الإجتماعي، على المستوى الأمني، على المستوى العسكري يخل، يأتي نقص كبير في أعماله، خلل كبير في أعماله، تأثير سلبي في أعماله، وهذه مشكلة كبيرة جدًّا، في نهاية المطاف تطال الإنسان في إيمانه وفي تقواه، يقصر تقصيراً مخلاً بالتقوى، لا يتقي الله سبحانه وتعالى في مسؤولياته كما ينبغي.
قد لا يكون في موقع من مواقع المسؤولية، ولكن على مستوى واقعه مع أسرته، فهو إما يجلس طول النهار إلى الظهر نائماً، لا ينفع أسرته بشيء، ولا يفيدهم بشيء، تسوء أخلاقه معهم، البعض عندما يوقظونه حتى للصلاة يغضب، ولا يستطيع أن يستيقظ لصلاة الفجر؛ لأنه لم ينم إلا ما قبل الفجر، أو في وقتٍ متأخرٍ من الليل، ويبقى نائماً إلى وقتٍ متأخر، يتحول إلى إنسان ليس له جدوى، ليس له قيمة في هذه الحياة، ليس له دور في هذه الحياة، لا ينفع أسرته، لا ينفع مجتمعه، وإذا قام بدور فهو دور محدود، وأعمال بسيطة، تتحول أعمال هذا الصنف من الناس إلى أعمال محدودة، جزءٌ منها أثناء وقت تخزينة القات في آخر النهار، وجزءٌ منها في الليل، ومثل هذه الأعمال تؤدى بشكل هامشي، يتحول العمل والمسؤولية إلى هامش في الحياة، ويتغير برنامج الحياة بالشكل الذي يلائم شهوة من شهوات النفس، ورغبة من رغباتها، وهذه حالة سلبية جدًّا، الإنسان إذا تحول على هذا النحو، وإذا أصبح بهذا الشكل يفقد توازنه في هذه الحياة، يفقد وضعه الطبيعي في مسيرة حياته في أعماله، في اهتماماته، في علاقته مع أسرته، بعض الآباء في المنزل تتغير طباعهم، مثلاً يتواجد في الأوقات التي هو إما مخزن، أو بعد تأثير القات، [ضابح] على حسب التعبير المحلي، ضاجر، منفعل، مستاء، منهمك في التفكير والوساوس، منشغل نفسياً وذهنياً بهمومه التي تكبر أكثر فأكثر بعد القات، ثم يؤثِّر هذا عليه سلباً في تعامله مع أطفاله، مع أسرته، لا يتحملهم، لا يتحمل الحديث معهم، وهكذا يكون متغيَّراً في سلوكياته وفي معاملاته.
أنا أدعو كل الذين يفرطون في تناول القات إلى أن يتقوا الله، أن يتركوا الإفراط، أن يقتصدوا، سواءً على مستوى الوقت، أو على مستوى الاستهلاك، وأناشد كل الذين هم في مواقع المسؤولية أن يتقوا الله أكثر؛ لأن المسؤولية عليهم أكثر، المسؤولين في الدولة، الذين هم معنيون عسكرياً، معنيون أمنياً، معنيون اجتماعياً، وأنصح كل الناس الذين يتناولون القات إلى أن يقتصدوا، أمَّا الذين لا يخزنون أصلاً لا يتناولون القات فهم في نعمة أصلاً، فليحذروا الذين لا يتناولون القات فليحذروا حتى لا يتناولونه ولا يعتادونه، وليحذروا من تناوله؛ لأنهم في نعمة كبيرة جدًّا، لا يزالون أناس طبيعيين جدًّا في حياتهم، في نفسياتهم، في سلوكياتهم، في نمط حياتهم، ينام الليل، يتحرك في النهار، في وضعية طبيعية في أكله، في شربه، في سلوكه، فهذه مسألة ننبه عليها؛ لأن لها علاقة أيضاً بالإسراف، لها علاقة بتناول المضرات، والإفراط فيما هو مضر، وهذا ما لا يجوز شرعاً، أنا أقول للذين يتضررون وأصبح واضحاً تضررهم في صحتهم وأنفسهم، وفي الإخلال بمسؤولياتهم: لا يجوز لكم الإفراط، يجب عليكم أن تقتصدوا، يجب شرعاً عليكم أن تقتصدوا، يمثل الإخلال بهذا الجانب إخلال بالمسؤولية، ومضرة بصحة الإنسان وبنفسيته، ولغير ضرورة، ليس من الضروري أن يجلس الإنسان يتناول كميات هائلة من القات ولأوقات طويلة جدًّا، هذا مضر.
نأتي إلى محطة من المحطات المهمة ذات العلاقة بالجانب الصحي في الإسلام، وهي النظافة، وما أدراك ما النظافة، النظافة مهمة جدًّا في الإسلام، والمسلمون اليوم من أكثر الناس تقصيراً في النظافة بين شعوب وأمم الأرض، وهذا مؤسف للغاية، حتى أصبح طابع انعدام النظافة طابعاً عاماً في الساحة الإسلامية لدى المسلمين، ومظهراً من مظاهر تخلّفهم، وهذا مؤسف جدًّا، يفترض بنا أن نكون أرقى الأمم، أطهر الأمم، أكثر الأمم نظافة، في الإسلام برنامج طويل للنظافة، نأتي إلى الإنسان في نفسه، الله سبحانه وتعالى فرض الطهارة من الجنابة، فرض الوضوء للصلاة، هذا جزءٌ من النظافة التي نتنظف بها يومياً؛ لأنك مع الصلوات تتوضأ للصلوات، وهذا يساعدك على النظافة، وعندما شرع الله الطهارة، وفرض علينا الطهارة من الجنابة، والطهارة للصلاة، قال -جلَّ شأنه- في القرآن الكريم في آيةٍ مهمةٍ جدًّا: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[المائدة: من الآية6]، في القرآن الكريم يقول: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[التوبة: من الآية108]، فنلحظ حث كبير على الطهارة، الطهارة جزء من التزاماتنا الدينية في الإسلام، الطهارة من الجنابة، الطهارة للصلاة، هناك في قائمة الآداب والمستحبات مناسبات على الإنسان أن يغتسل فيها، عليه من باب الآداب الإسلامية، مما فيه الأجر والثواب، وعليه الحث، وفيه الترغيب الكبير، مثل: اغتسال يوم الجمعة، الاغتسال في يوم العيدين… الاغتسال في مناسبات معينة، وبعد الأعمال الأخرى التي يتسخ فيها الإنسان، ولو لم يتنجس، حتى على مستوى الاتساخ، فيستحب له أن يغتسل، وأن يتنظف، وأن يكون نظيفاً.
الطهارة من النجاسات، وهذه إلزامية، وهي أيضاً تدخل في إطار النظافة، تنظف الإنسان مما هي قذارات، مما هي أدران، مما هي نجاسات، يأتي أيضاً برنامج طويل فيما يتعلق بالإنسان، نظافة الجسم بشكل عام بالإغتسال، نظافة الأسنان، في الإسلام حث على تنظيف الأسنان، حث على السواك، حث على تنظيف الأسنان ما قبل الوضوء، في أوقات متنوعة متعددة، في ظروف معينة، حثٌ على هذا الجانب، وله أهميته الصحية، إضافة إلى أهميته الحضارية، تنظيف شعر الإنسان، مثلاً مواضع من الجسم يُذِهب الإنسان الشعر منها بالكامل، ويتنظف من الشعر، أما على مستوى شعر الرأس واللحية، يقص أو يحلق فيما يتعلق بشعر الرأس، فيما يتعلق باللحية يقصر في مستوى معين، إحفاء الشارب أيضاً، تقصيره من أطرافه، هناك برنامج كبير أيضاً يتعلق بقص الأظافر، بالغسل لليدين قبل الطعام، وبعد الطعام، برنامج واسع لتنظيف الإنسان تنظيف جسده؛ لأن الله يريد للإنسان طهارة الروح، طهارة القلب، طهارة المشاعر وطهارة الجسد، ونظافة الجسد، لا يريد للإنسان أن يكون متسخاً خلق الله الماء وأنزله ماءً طهوراً، جعل فيه خاصية التنظيف والتطهير للإنسان، وخلق أشياء كثيرة ذات خاصية منظفة ومطهرة يستخدمها الإنسان لشعره، مثل: السدر، الشامبوهات… أشياء كثيرة. وهكذا هو برنامج طويل ضمن قائمة الآداب لتنظيف جسد الإنسان كما يريد الله منه أن ينظف مشاعره ووجدانه من المشاعر الخبيثة وأن يعزز كل معاني الخير في نفسه.
في الملبس، ملبس الإنسان من أعجب ما في القرآن الكريم أنَّ الله عندما خاطب رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- قال له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[المدثر: 1-5]، أتى موقع الطهارة للثياب، ويدخل بشكلٍ أولي المعنى المعروف للثياب، غير المعنى المجازي، بشكلٍ أولي المعنى المعروف والحقيقي للثياب الملابس، {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}، الموقع الذي لطهارة الثياب في الآية موقع يفيد أهمية طهارة ما يلبسه الإنسان، مع طهارة الجسم، طهارة ما يلبس، هذه مسألة مهمة جدًّا، طهارتها من النجاسات، وأيضاً في الإسلام حث على نظافة الملابس من الدرن، ونظافة الملابس من الأوساخ، وكان رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- يربي المسلمين في زمنه وعصره على النظافة، ويحثهم على النظافة: نظافة الملابس، ونظافة الجسم، ونظافة الأسنان، قال مرةً لبعض أصحابه: (مالي أراكم قُلحاً) ينتقد عليهم عندما رأى أسنانهم مصفرة من الوسخ لا ينظفونها، كان عندما يعود من غزواته وقبل أن يدخل المدينة يأمرهم بالاغتسال وتطهير الثياب، وأن يدخلوا إلى المدينة نظيفين، وليس عليهم وعثاء السفر.
فالعناية بنظافة وطهارة الملابس كذلك أمرٌ مطلوب وصحي في نفس الوقت، له أهمية على المستوى الصحي، نظافة الجسم لها أهمية صحية، نظافة الملابس لها أهمية وفائدة صحية، نظافة الطعام ونظافة الشراب، بدءاً من نظافة المطبخ وأثناء عملية التحضير للطعام، ونظافة الأواني، وغسلها ما بعد الطعام، وألَّا تكون ملوثة، هذه مسألة صحية، ومسألة مهمة ضمن التعليمات الإسلامية في الطهارة وفي النظافة، وهنا نلفت النظر إلى أهمية أيضاً نظافة المطاعم، ونظافة المقاهي، ونظافة اللوكندات، والأماكن التي يُقدَّم فيها الطعام أو الشراب للناس، ويجب أن يكون هناك رقابة حكومية، وأن يستشعر من لهم حركة تجارية في مثل هذه الأمور أن يستشعروا رقابة الله -سبحانه وتعالى- عليهم، تتحول بعض المطاعم إلى مصدر للأوبئة والأمراض؛ لانعدام النظافة في مطابخها، في عملية التحضير للطعام، في نظافة العاملين.
كذلك في المنازل من المهم جدًّا نظافة المطابخ، ونظافة المرأة التي تطبخ، عليها أن تحرص هي أن تكون نظيفة، أن تطهر يديها أيضاً بالمطهرات قبل تحضير وجبة الطعام، أن تكون الأواني أيضاً نظيفة وطاهرة، هذا مهم جدًّا للسلامة والصحة، ويدخل ضمن آداب وتعليمات الإسلام في النظافة.
الأسواق من المهم أن يسعى الناس إلى أن تكون الأسواق نظيفة؛ لأن حالة انعدام النظافة يترتب عليها التلوث البيئي، ويترتب عليه أيضاً انتشار الأوبئة، انتشار الجراثيم، والله أعلم قد تكون الكثير من الجراثيم عقوبات، إذا انعدمت حالات النظافة تنشأ مثل هذه الجراثيم، وقد تأتي أيضاً عقوبات على أشياء أخرى وأعمال أخرى، ولكن عقوبات في هذا الجانب نفسه أيضاً.
هذه من الأشياء التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ولو التزم المسلمون بتعليمات الإسلام لكانوا أرقى أمة وأنظف أمة، نأتي أيضاً إلى جانب تنظيف الأفنية والساحات، رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- كان يأمر المسلمين بتنظيف الأفنية والساحات والشوارع وعند منازلهم، هذه مسألة مهمة جدًّا، وكان يقول لهم: (لا تكونوا كيهود)، كانت الأحياء اليهودية معروفٌ عنها عدم النظافة والروائح المنتنة والكريهة، والاتساخ والقمامات، وهذا كان مظهراً بشعاً وملوثاً، كان يقول: (لا تكونوا كيهود)، اليوم- للأسف الشديد- قد يكون بعض المسلمين أكثر سوءً من ذلك في هذا الجانب.
من المهم جدًّا أن نحرص على النظافة كوعي عام وثقافة عامة، لو بذلت البلديات من جهود كم ما بذلت وليس هناك وعي عام، يتعامل الناس مع القمامة بطريقة غير صحيحة، يطرحون القمامة في قارعة الطريق، مع أن من الإيمان إماطة الأذى من الطريق، تنظيف الطريق، تنظيف الشارع، لا تضع في طريق الناس قماماتك، وقمامات منزلك، وقمامات مطبخك، أنت تلوث البيئة، تلوث، تؤثر على الصحة العامة، وأنت أيضاً تترك عراقيل على الناس في حركتهم في الحياة.
ولذلك تعامل الناس مع القمامة يجب أن يكون حضارياً، وأن يكون وفق تعليمات الإسلام التي تركز على النظافة والطهارة، ولا تقبل بمثل هذه المعاملات السلبية، يضع الإنسان بشكل عشوائي، يجمع قمامته بشكل عشوائي، يضعها بشكل عشوائي في أي مكان.
فإذاً هذه كلها تدخل في إطار التعليمات الإسلامية التي تلحظ الجانب الصحي للإنسان، وتساعد على الصحة العامة للناس، إضافةً إلى الوعي بالتغذية الصحية، التغذية الإيجابية، الله -سبحانه وتعالى- خلق فيما أحله لنا كل العناصر اللازمة التي تقوي جهاز المناعة لدى الإنسان، والتي تمد الجسم باحتياجاته من العناصر، وتساعده على الصحة، والتي أيضاً لها إيجابية كبيرة في قوة الإنسان وحيويته وتمكنه من القيام بأعماله بنشاط، بمسؤولياته الدينية، بمسؤولياته في هذه الحياة بنشاط وبصحة وبطاقة وبقوة.
من الأشياء المهمة في هذا الجانب للذين ليس لهم أعمال بدنية أن يحرصوا أيضاً على النشاط الرياضي: الحركة، التمارين، البعض مثلاً من الناس في موقع المسؤولية يجلسون في أعمال إدارية ومكتبية، أكثر وقته يكون جالساً يقرأ تقارير، يطلع، يتصل، يعقد مقابلات وهو جالس، أكثر الوقت وهو جالس، وتقل حركته في هذه الحياة، قلة الحركة تؤثر على النشاط في الإنسان وعلى الصحة في الإنسان، وتنشأ أمراض كثيرة: في العمود الفقري، في الجهاز الهضمي، في مشكلة السمنة والبدانة… مشاكل صحية كثيرة، هنا لا بد أن يحرص الإنسان أن يكون نشيطاً، وأن يكون عملياً، هكذا صمم الله جسم الإنسان.
في ختام هذه المواضيع نشير أيضاً إلى الحرب البيولوجية، ما هي الحرب البيولوجية؟ الحرب البيولوجية هي الاستغلال للجراثيم، والجراثيم: كائنات مخلوقة صغيرة جدًّا ضارة وفتاكة، وتختلف أنواعها، وأضرارها تتنوع، والفيروسات كذلك: كائنات دقيقة صغيرة جدًّا، لها أضرار معينة، تعمل بعض الدول، بعض القوى التي ليس عندها ضوابط أخلاقية وإنسانية وشرعية ودينية، وتحرص على أن تمتلك كل وسائل الإضرار بالآخرين مهما كانت بدون أي ضوابط ولا قيود، تعمل على استغلال هذه الجراثيم وهذه الفيروسات عن طريق معامل ومختبرات تهيئ فيها الظروف الملائمة لتكاثرها، يعني بحسب تعبيرنا المحلي مزارع، مثل ما هناك مزارع دجاج، مزارع أبقار، مزارع أغنام، مزارع جراثيم، مزارع فيروسات، يؤمنون في المختبرات والمعامل هذه الظروف الملائمة لتكاثر هذه الفيروسات وهذه الجراثيم.
ثم هناك طرق لنقلها، ووسائل لنقلها ونشرها، وقد ينشرونها في مكان معين، أو منطقة معينة… لاستهداف إنسان معين في إيصالها إلى واقعه، إلى بيئته، إلى محيطه، إلى ملبسه، إلى مأكله،إلى مشربه… هذا هو التعريف لهذه المسألة.
تنتشر مثل هذه الفيروسات والجراثيم، وقد تنال الكثير من الناس، ويتضررون بالأضرار التي عادةً تحدث من تلك الجراثيم ومن تلك الفيروسات، فتحدث أوبئة معينة تنال من صحة الإنسان بحسب تنوعها، منها ما يضر بالجهاز التنفسي… أكثرها تضر بالجهاز التنفسي، وأكثرها أيضاً لها مضارات متنوعة معروفة عند ذوي الاختصاص.
وقد يسلط الله -سبحانه وتعالى- في حالةٍ معينة على البعض من الناس، على البعض من المجتمعات مثل هذه الفيروسات ومثل هذه الجراثيم، ولكننا نقول: الطريق الصحيح للوقاية من هذه المخاطر هي أولاً بالعودة إلى الله -سبحانه وتعالى-، والدعاء، والتضرع، والالتجاء إلى الله.
ثانياً بالتوبة العملية، العناية بأن نعود عملياً إلى الله، بالالتزام بمنهجه، بطاعته -سبحانه وتعالى-، بتطبيق توجيهاته وتعليماته، وتوجيهاته وتعليماته تأتي إلى تفاصيل هذه الحياة بما يحقق الوقاية من الكثير من الأوبئة، والكثير من الأمراض، والكثير من الأضرار، وتؤمِّن لنا السلامة إلى حدٍ كبير، والصحة إلى حدٍ كبير، والحياة الطيبة في كل مفاهيمها، وفي كل تطبيقاتها ومصاديقها إلى حدٍ كبير، ويدفع الله عنا برحمته الكثير والكثير، وهذه مسألة هامة.
أيضاً الحذر والوعي تجاه الوسائل التي يمكن أن تستخدم، هنا نأتي إلى ما يتعلق بالفيروس المستجد، المسمى بـ(كورونا)، هناك- كما قلنا- هذه الأمور المهمة: الالتجاء إلى الله، ونحن في شهر كريم، الدعاء، التضرع، وفي نفس الوقت الالتجاء العملي يتجه الناس عملياً للالتزام بتعليمات الله وتوجيهات الله -سبحانه وتعالى- في مسؤولياتهم الكبيرة، في قضاياهم الكبيرة والصغيرة، في أمور حياتهم التفصيلية، وإضافةً إلى ذلك أخذ الحيطة والحذر تجاه الكثير من الأشياء التي تساهم في انتشار هذا الفيروس: التخفيف من الازدحام في كثيرٍ من الأماكن، العناية بالإجراءات الصحية التي ترشد إليها الجهات المختصة، وبالذات ممن لهم احتكاك كبير بالناس، التعاون في مسألة ضبط عملية الدخول والخروج إلى البلد والتنقل، كل الإجراءات التي تركز عليها الجهات المختصة مما لها أهمية في مكافحة هذا الفيروس.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يمنحكم الصحة والعافية، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛