الاقتصاد اليمني خلال عام من العدوان .. آثار وتحديات وصمود
عام كامل من العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، يرافقه حصار اقتصادي حقير، لا يقل حقارةً عن قصف المواطنين وإراقة دمائهم، تعرضت خلاله المالية العامة في اليمن والتي تعاني من اختلالات مزمنة سابقة، لصدمات قوية منذ بدء العدوان السعودي في الـ 26 من مارس 2015م، بالاستهداف المباشر وغير المباشر، ما ضاعف من حجم التحديات التي انعكست في تدهور الإيرادات العامة وانعدامها في بعض مكوناتها جراء العدوان المستمرة على اليمن والحصار البري والبحري والجوي المفروض عليها من تحالف العدوان.
حيث سجلت الإيرادات العامة للدولة تراجعا قياسيا لا سابق له خلال العام الماضي 2015م، وبمعدل تراجع وصل إلى 53.7 %، مقارنة بعام 2014 وفق ما أكده تقرير حكومي حديث تناول الآثار الاقتصادية للعدوان السعودي الأميركي على اليمن.
وعزا التقرير هذا التراجع إلى توقف إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، وتعليق دعم المانحين للموازنة، اضافة إلى انخفاض الإيرادات الضريبية.
وهوت الإيرادات العامة للدولة من (2 تريليون و293 مليار ريال) عام 2014م، إلى (تريليون و62 مليار و700 مليون ريال) عام 2015م، في أعلى نسبة انخفاض تسجله الموازنة العامة منذ سنوات.
وأوضح التقرير الحكومي أن إيرادات النفط والغاز تراجعت بمعدل 77.1 %، في عام 2015، بسبب تعليق أنشطة شركات النفط الأجنبية العاملة في اليمن وتوقف إنتاج وتصدير النفط الخام نهاية الربع الأول من العام الماضي، وكذلك، توقف إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال، مما حرم الموازنة من موارد هي في أمس الحاجة إليها.
الإيرادات الضريبية انخفضت هي الأخرى عام 2015م بحوالي 19.2%، كما يذكر التقرير، وذلك بسبب انعدام الأمن في كثير من المناطق، وتقييد حركة التجارة الخارجية وتضرر المنافذ الجمركية في عدن والحديدة، وانكماش النشاط الاقتصادي.
وأظهر التقرير انخفاضاً حاداً في إيرادات المنح والقروض الخارجية وبنسبة تصل إلى 93.5 %، خلال العام الماضي حيث لم تتجاوز مبلغ 10.6 مليار ريال ما يعادل 94.1 مليون دولار، بسبب تعليق دعم المانحين للموازنة العامة للدولة.
قال الخبير الاقتصادي نبيل الطيري إن الاقتصاد اليمني دخل في انكماش بلغ 34.7% بالسالب، مقدراً الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد اليمني بحوالي 75 مليار دولار على الأقل.
واتهمت دراسة مالية حديثة أعدها الخبير الاقتصادي المعروف ووكيل وزارة المالية أحمد محمد حجر، دول العدوان بتعمدها السماح بدخول العديد من السلع غير الضرورية عبر المنافذ التي تحت سيطرتها، بهدف سحب العملة الأجنبية من السوق المحلية.. مرجعة السبب في ذلك إلى أن دول العدوان تريد تحريك عجله اقتصادها الراكد بسبب توجيه جزء من موارد اقتصاد هذه الدول من المجالات المدنية والانمائية إلى المجال العسكري والموجهة من السوق المحلي إلى السوق الخارجية.
وطبقا للدراسة فإن التوقعات تشير إلى ارتفاع نسبة رصيد الدين العام الداخلي إلى الناتج المحلي الاجمالي من 20% عام 2010م و44% عام 2014م، الى 64 % عام 2015م، وارتفاع نسبة أعبائها إلى إجمالي النفقات العامة من 7.2% في 2010م إلى 42% عام 2015م.
خسائر قطاع النفط:
يعد قطاع النفط أهم القطاعات الإيرادية للبلاد، حيث يمثل أكبر مصادر عائدات الاقتصاد الوطني من النقد الأجنبي.
القائم بأعمال وزير النفط والمعادن يحيى الأعجم أكد أن الغارات التي شنتها طيران العدوان السعودي الأمريكي خلال الشهور الماضية دمرت أكثر من 244 محطة لبيع الوقود، و 189 ناقلة، ونحو 37 منشأة، أبرزها منشأة رأس عيسى في الحديدة وشركة النفط في ذمار.
من جانب آخر، قال الخبير الاقتصادي أحمد محمد حجر في دراسته المالية، إن تحالف العدوان السعودي استغل تحرير أسعار المشتقات النفطية، بالسماح بدخول النفط عبر “مافيا الفساد” ومنع دخوله عبر شركه النفط والجهات الرسمية، وما ترتب على ذلك من سوق سوداء للمشتقات النفطية وبأسعار مرتفعة جدا.
خسائر قطاع الكهرباء:
قطاع الكهرباء هو الآخر، أحد أبرز القطاع التي تعود بالإيرادات على خزينة الدولة، ورغم الأضرار التي يعانيها هذا القطاع بسبب الأعمال التخريبية التي كان يديرها لوبي الفساد خلال السنوات الماضية السابقة للعدوان السعودي الأمريكي، إلا أن العدوان ألحق أضرار وخسائر جديدة لهذا القطاع.
وبلغت خسائر قطاع الكهرباء جراء العدوان بشكل مباشر وغير مباشر، حوالي اثنين مليار و152 مليون و329 ألف 829 دولار، موزعة بين الخسائر التجارية (طاقة منقطعة)، وشبكات التوزيع، ومحطات التوليد، وخطوط النقل ومحطات التحويل، والمنشآت والمباني، المشاريع الممولة خارجياً، وقطاع توليد كهرباء المدن الثانوية، والهيئة العامة لكهرباء الريف.
خسائر أبرز القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية:
قطاع السياحة:
قدرت وزارة السياحة اليمنية حجم الخسائر التي تكبدها القطاع السياحي في اليمن جراء العدوان السعودي والحصار الذي يفرضه تحالف الحرب بقيادة السعودية على اليمن بحولي 12 مليار دولار حتى نهاية أغسطس الماضي وسط تفاقم المشكلات لدى 250 ألفا من العاملين في القطاع السياحي فقدوا وظائفهم ومصادر رزقهم جراء العدوان السعودي الغاشم.
وأوضح تقرير صادر عن وزارة السياحة أن استهداف تحالف العدوان السعودي المباشر لقطاع السياحية تسبب في تدمير وتوقف العمل في نحو 360 موقعا ومزارا ومنشأة سياحية وتاريخية وأثرية بشكل كامل وجزئي.
وفي جانب الترويج السياحي، أكد نائب مدير عام الترويج السياحي أحمد البيل أن العدوان دمر 140 منشأة سياحية من فنادق ومتنزهات ومطاعم في عدد من المحافظات، مشيراً إلى أن خسائر القطاع السياحي في اليمن بلغت ملياري دولار مع توقف كامل لجميع وكالات السياحة والفنادق السياحية وشللها التام بخسائر قدرت بـ745 مليون دولار.
القطاع الصناعي:
استهدفت غارات طيران العدوان السعودي الأمريكي أكثر من 169 مصنعاً بشكل مباشر، وتوقف عشرات المصانع الأخرى عن العمل بسبب الحصار.
فيما قدر تقرير للاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية، الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي تكبدها القطاع الصناعي اليمني جراء العدوان والحصار بـ 15 مليار دولار.. مشيرا إلى توقف 75% من نشاط القطاع الصناعي جراء العدوان والحصار، وفقدان نحو 80% من عمال المصانع لأعمالهم اضافة إلى انخفاض نسبة تغطية الإنتاج الصناعي إلى أقل من 30% مقارنة بما كان عليه خلال السنوات الماضية.
قطاع المياه:
قال القائم بأعمال وزير المياه والبيئة المهندس محمد شمسان أن خسائر قطاع المياه في العاصمة صنعاء ومحافظات الجمهورية جراء العدوان السعودي الأمريكي الغاشم على اليمن وحصاره الجائر بلغت أربعة مليارات و300 مليون ريال وفقا للتقديرات الأولية.
حيث انخفضت إيرادات المؤسسة جراء العدوان السعودي إلى أكثر من 50 في المائة وبخسائر شهرية تقدر بـ 200 مليون ريال.
قطاع الجمارك:
بلغت إيرادات مصلحة الجمارك من الرسوم الجمركية خلال عام 2015م مبلغ 67 مليار و142 مليون ريال بنقص 44 مليار و414 مليون ريال عن العام 2014م وبنسبة انخفاض 40 في المائة.
القطاع الخاص:
قالت الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة، في أحدث تقديراتها لخسائر القطاع الخاص اليمني جراء استهداف مشاريعه الصناعية والتجارية، من قبل طيران تحالف العدوان السعودي الاميركي الغاشم أن الخسائر تجاوزت 39 مليار دولار.
قطاع الصحة:
حسب الناطق الرسمي لوزارة الصحة فقد بلغ أجمالي المنشآت الصحية المتأثرة من العدوان 180 منشأة منها 42 منشأة بشكل كلي فيما تدمرت جزئيا 138 منشأة، مشيرا إلى أن إجمالي تكلفة الخسائر للبناء بلغت 8 مليارات و 342 مليون و 424 ألف ريال ، فيما بلغت خسائر التجهيزات الطبية 90 مليون و 865 ألف دولار.
القطاع الزراعي:
وزارة الزراعة والري اليمنية ذكرت في مؤتمر صحيف سابق، أن نتائج الإحصاءات الأولية لحجم الأضرار بالقطاع الزراعي جراء العدوان السعودي قدرت بأكثر من 650 مليار ريال حتى نهاية نوفمبر الماضي.
وقالت الوزارة إن الاستهداف المباشر للمنظومة الزراعية في اليمن قد خلف دمارا هائلا وخسائر فادحة وأضرارا كارثية ستبقى آثارها السلبية لعشرات السنين على الأرض والنبات والبنية المحيطة نتيجة الانبعاثات الكيميائية السامة من الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا.
التحديات التي واجهة القطاع المصرفي
تطرق المحلل الاقتصادي أحمد الطيار في تقرير حديث له، إلى ثلاث عقبات وضعتها دول العدوان أمام الريال اليمني كحزمة لمحاربته ضمن خطط لتدمير الاقتصاد الوطني منذ 26 مارس 2015م، وهي استغلال تحرير أسعار المشتقات النفطية ،وتوسيع السوق السوداء، وإغراق السوق بالسلع الخليجية غير الضرورية لسحب أكبر قدر ممكن من النقد الأجنبي والمضاربة بالعملة المحلية.
ورغم مراهنة دولة العدوان وحلفائها في الداخل اليمني على انهيار سعر صرف العملة الوطنية في ظلّ تراجع الموارد العامة للبلد، إلا أن القيمة الشرائية للريال ظلّت ثابتة رغم محاولات التلاعب بها.
فقد شدد البنك المركزي اليمني في عدة لقاءات خلال عام من العدوان على أهمية التزام شركات الصرافة والبنوك التجارية بالتوجيهات الصادرة منه، وحذر بشكل مستمر من إجراءات عقابية رادعة لكل من يحاول التلاعب والمضاربة بأسعار الصرف.
وخلال الأسبوع الماضي قام البنك المركزي بسحب تراخيص شركتين من شركات الصرافة لإخلالهم بشروط منح تراخيص مزاولة الصرافة، في إطار الجهود التي يبذلها البنك المركزي لتهدئة السوق وعدم الانجرار نحو المضاربة بسعر الصرف.
من جهة أخرى تصدى البنك المركزي اليمني لبعض الشائعات التي سعى العدوان ومرتزقته في الداخل من خلالها إلى زعزعة الأوضاع وبث القلق في صفوف الشعب، حيث أكد في أحد بياناته الشهر الماضي إلى عدم صحة ما تناقلته بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بأن البنك المركزي أصدر قرارا بإيقاف تغطية احتياجات استيراد المواد الأساسية من القمح والأرز من النقد الأجنبي، مؤكدا استمرار البنك في سياسته في هذا الاتجاه.
اقتصاد صامد ومقاوم
رغم كل تلك الخسائر، ورغم توقف الكثير من الإيرادات بسبب العدوان والحصار، إلا أن الدولة ظلت صامدة بتكاتف أبناء البلد، وتعاون القطاع العام مع القطاع الخاص، وتم تجاوز حدة الأزمة.
فما تزال الدولة تقوم بصرف مرتبات الموظفين في عموم الجمهورية اليمنية بما في ذلك المحافظات الجنوبية التي لم يعد يصل أي إيراد منها إلى خزينة الدولة.
لتتكشف للجميع زيف ادعاءات حكومة “المبادرة الخليجية” إبان فرض الجرعة الاقتصادية عام 2014م، حيث ادعى الفار عبد ربه هادي وحكومته آنذاك بأن الجرعة الاقتصادية لا بد منها، وأنه إذا لم يتم العمل بها فلن تتمكن الدولة من دفع رواتب الموظفين حسب مزاعمهم!!
ونجد اليوم أن الدولة صامدة عبر إدارة اللجنة الثورية العليا لزمام أمورها، ورغم شحة الموارد، والحصار المفروض في ظل عدوان جائر على البلد.
ليثبت اليمن للعالم أجمع، بأن في اليمن شعب صامد مقاوم، واقتصاد صامد مقاوم أيضاً.