الانتصارات المنشودة
نبيل نعمان
يعيش اليمن شعباً ودولة في وضع مأساوي لم يشهد مثيلاً له منذ عصور سحيقة عندما كانت تتصارع الدويلات وتتشرذم الأرض ويتمزق الناس أيما ممزق ..
كل هذا يجري في زمن يفترض فيه أن يكون الوطن اليمني أكثر تماسكاً وتلاحماً وتراحماً تبعاً لمقتضيات العصر وصيرورة التاريخ وتضحيات الإنسان اليمني المتسامح بطبعه والتواق للحرية والعدالة والعيش الكريم .
والأمل في أن تكون محطة الكويت وما ستشهده من حوار انطلاقة حقيقية لقادم الأيام وترجمة مثلى لتطلعات الشعب معززة بإرادة جميع الأطراف كانتصار حقيقي للوطن يولد انتصارات متتالية في كافة المجالات الحياتية، حيث لم يعد هناك متسع من الوقت لإضاعته في صغائر الأمور، فيما الوطن يضيع وتتسع دائرة المتكالبين عليه والناهشين في جسده المثخن بالجراح .
يعول اليمنيون على حوار ولقاءات الكويت لتكون بوصلة تشييد دولتهم المنشودة بعيداً عن دورات العنف والتأسيس لمرحلة جديدة من البناء والفعل الايجابي انتصاراً للوطن وتضحيات المواطن وصبره وتوقه إلى حياة حرة كريمة ليكون بمثابة الانتصار الحقيقي والأكبر للوطن يفتح معه انتصارات أخرى تعزز من استدامته وتجذره وتنزاح غيوم كثيرة لطالما أعاقت حركته وكبلت تطوره ونموه الطبيعي .
لأن العقود الماضية أثبتت أن اجتراح البطولات والانتصارات في معارك وهمية وواهية لا يمكنها أن تؤسس لوطن آمن ودولة قوية وإنسان سوي بقدر ما تعمق الأحقاد والضغائن وتزرع بذور أزمات وويلات قادمة لا أساس لها في الضمير والوجدان اليمني وتقود إلى منزلقات خطيرة بعيدة عن تطلعات السواد الأعظم من الناس الراغب في انتصارات أخرى تستشرف مستقبله ولا تلوك ماضيه قولاً وممارسة .
الشعب ينتظر انتصارات في التنمية والاقتصاد .. في التعليم والصحة .. في مكافحة الفقر وحماية البيئة .. في الحكم الرشيد والشفافية والكثير من ميادين الفعل البناء والايجابي التي تدفعه إلى الأمام ولا تجره إلى الخلف .. انتصار يكون نتاجا للعقل والعلم وليس بفعل أشياء ارتجالية وسياسات جامحة لا تجلب سوى الدمار للوطن أفقياً ورأسياً .
اليوم يتطلع الناس .. كل الناس في هذا الوطن إلى توديع حالة التيه التي أفقدتهم توازنهم ودفعتهم إلى مسارات خاطئة ومحفوفة بالمخاطر بالرجوع إلى منطق العقل والحكمة والعمل معاً في مسيرة بناء الوطن دون إقصاء أو تهميش لأحد وفق مبدأ العيش المشترك وأن بناء الوطن لن يتم إلا بأيدي كل أبنائه وعلى أرضية صلبة ومستقرة بعيداً عن التمترس وراء قوالب جامدة وتصنيفات مشوشة ومشوهة .
لقد تركت الصراعات السياسية غير الرشيدة في السنوات الأخيرة والحروب العبثية والتدخلات الخارجية آثارا عميقة وغائرة في الجسد اليمني ستظل مفتوحة ما لم يتم تدارك الوضع قبل فوات الأوان، خاصة وإن الإنسان اليمني رغم كل المعاناة لا يزال قادراً على التسامي فوق الجراح والنظر إلى الأمام متطلعا للأفضل وهو أرضية إيجابية للبناء عليها لوطن آمن ومستقر يشاد بسواعد أبنائه وتطلعاتهم وأحلامهم المهدرة.
فهل سنحتفي هذه المرة بانتصار يعيد بارقة الأمل وبوصلة العمل لبناء هذا الوطن العظيم.