أميركا وسياسة البحث عن الذرائع
عباس السيد
ارتفعت وتيرة الأصوات الأميركية التي تتهم مسؤولين سعوديين بالمشاركة في احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وكاد الملف أن يصبح جزءا من برامج المتنافسين في السباق إلى البيت الأبيض، وقد أقر مجلس الشيوخ الأميركي ـ الأربعاء 18 مايو2016 ـ مقرحا بسن قانون يتيح لعائلات الضحايا ملاحقة مسؤولين سعوديين بتهمة المشاركة في أحداث 11 سبتمبر، وسيتحول الاقتراح إلى مجلس النواب .
لم تصدر حتى الآن اتهامات رسمية للنظام السعودي، لكن الكثير من الدلائل والمؤشرات تؤكد أن القضية لا يمكن أن تسجل ضد مجهول، وأن استثمار القضية لخدمة الاهداف السياسية والاقتصادية الأمريكية خلال الخمسة عشر عاما الماضية لم يشف غليل السياسيين الأمريكيين.
السياسة الغربية تجاه الشرق ودول العالم الثالث بوجه عام تعتمد استراتيجية الثأر او الانتقام لتحقيق مصالحها، وهي باستمرار تبحث عن ذرائع وحجج للقيام بذلك.
وفي هذا المجال ، يتفوق السياسيون الغربيون في وحشيتهم وإسرافهم في الرد ، على أكثر القبائل البدائية المتخلفة في الصحاري والأدغال ، وخصوصا إذا كان الطرف الآخر ، أو المتهم ، من النصف الشرقي للكرة الأرضية ، أو من غير البيض.
الموجة الجديدة من الإتهامات الموجهة ضد السعودية لا تعني الحصول على أدلة جديدة . فالأميركين كانواـ ولا يزالون ـ يبحثون عن التوقيت المناسب لتوجيه الإتهام للسعودية بشكل رسمي ، أكثر من بحثهم عن الأدلة .
بين بيرل هاربر وهيروشيما
في ديسمبر 1941 سقط نحو 3300 عسكري أميركي إثر هجوم ياباني على القاعدة العسكرية الأميركية في ميناء بيرل هاربر. واعتبرت تلك، أقسى هزيمة تتلقاها الولايات المتحدة عبر تأريخها.
ومثلما وجدت الإدارة الأميركية ـ لاحقا ـ في ” غزوة مانهاتن ” ذريعة لغزو أفغانستان ثم العراق ، وجدت في ” المغامرة اليابانية ” ذريعة لدخول الحرب العالمية الثانية، بعد إنقلاب الرأي العام في الشارع الأميركي الذي كان يعارض دخول بلاده الحرب قبل ذلك .
شن الأميركيون هجمات إنتقامية ضد القوات اليابانية على مدى اربع سنوات .وفي السادس من أغسطس 1945 ، توج الأميركيون إنتقامهم بإسقاط قنبلة نووية فوق هيروشيما اليابانية لتحصد أرواح 140 ألف ياباني .
وفي اليوم التالي، ظهر الرئيس الأميركي هاري ترومان عاريا من أي قيم أو مشاعر ليقول : لقد أخذ الأميركيون بالثأر الذي طال إنتظاره . بعد ثلاثة أيام من مجزرة هيروشيما، وبينما كانت أفواه اليابانيين والعالم لا تزال فاغرة من وقع الصدمة وهول الكارثة، ألقى الأميركيون قنبلة ثانية على مدينة نجازاكي، سقط على إثرها 74 ألف ياباني.
214 ألف ياباني قتلوا بفعل القنبلتين، مقابل 3300 أميركي قتلوا في الهجوم الياباني على بيرل هاربر، بمعدل 650 ياباني مقابل أميركي واحد .
لوكربي والنظام الليبي يستخدم السياسيون الغربيون أساليب مختلفة للثأر والأنتقام وفقا للحاجة وطبيعة الطرف المتهم أو المدان ، فإما الإقتصاص على طريقة هيروشيما ونجازاكي، أو من خلال فرض التعويضات المالية الخيالية كما في حالة سقوط طائرة ” بان أميركان ” فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية في 21 ديسمبر 1988، والتي قتل فيها273 شخصا، واتهمت الولايات المتحدة وبريطانيا النظام الليبي برئاسة العقيد معمر القذافي بالوقوف وراء الحادث .
وبعد حوالي عقدين من الملاحقات القضائية والضغوط والحصار الخانق، أجبر النظام الليبي على دفع 2.7 مليار دولار كتعويض لعائلات الضحايا ، بمعدل 10 ملايين دولار عن كل ضحية.
على الرغم من ذلك ، لم يفتح الغرب صفحة جديدة مع ليبيا، كما كان يتوقع العقيد القذافي، ولم تكن تلك التعويضات السخية سوى جزءا من الثأر الذي اكتمل بتصفية القذافي وتدمير ليبيا التي لا تزال تدفع نحو المجهول.
وقد لعبت فرنسا عام 2011، دورا محوريا في أكتمال الثأر من ليبيا بعد أن فشلت في إدراج قضية سقوط طائرة للخطوط الفرنسية ضمن ملف التعويضات إلى جانب لوكربي .
وكانت محكمة اميركية قد اصدرت حكما قضى بدفع ليبيا مبلغ 6 مليارات دولار كتعويض لعائلات 170 راكبا قضوا في حادث سقوط الطائرة الفرنسية فوق النيجر في 19 سبتمبر 1989.
إيران.. تعويضات أخرى
الأمر ذاته تحاول الولايات المتحدة تكراره مع إيران ، وهي تبحث عن ذرائع للإستحواذ على الأموال الإيرانية المجمدة في واشنطن، وقد وجدت في حادث تفجيرثكنة للمارينز، وأخرى للقوات الفرنسية في بيروت عام 1983.ذريعة مناسبة .
وفي عام 2012 ، قضت محكمة اميركية بدفع إيران 2.16 مليار دولار كتعويض لعائلات 299 من جنود المارينز الأمريكيين والفرنسين سقطوا في التفجيرين الإنتحاريين اللذين نفذهما عناصر في المقاومة اللبنانية، تقول أميركا، إنهم تلقوا تدريبات من قبل الحرس الثوري الإيراني، وقد وصف وزير الخارجية الإيراني قرار المحكمة االأميركية بأنه سرقة.
فيتنام العراق والصومال
في فيتنام قتل نحو أربعة ملايين مقابل عشرين ألف من الجنود الأميركيين، وكان الأميركيون يصفون الفيتناميون بـ ” النمل الأبيض ، وتارة بالقُراد الذي يعيش في جلد الكلاب ” ولذلك كانت المجازر الوحشية بحق الفيتنامين ـ في نظر الأميركيين ـ مجرد عمليات تنظيف من القمل.
وفي العراق تجلت الوحشية الأميركية بشكل سافر، عندما اقتحمت القوات الاميركية مدينة الفلوجة في مارس 2004 ، إنتقاما لمقتل أربعة من عناصر ” بلاك ووتر ” والتمثيل بجثثهم من قبل المقاومة العراقية .
تعرضت المدينة لحصار خانق وقصف هستيري قبل أن يتم إقتحامها والتنكيل بأهلها وملاحقة الضحايا إلى الجوامع، قتل الأميركيون في تلك العملية الثأرية نحو خمسة آلاف عراقي .
الصومال أيضا، لا يزال يدفع ثمن الصفعة التي وجهتها عناصر من الميليشيا لأميركا عام 1993، حيث قتل عدد من المارينز الاميركيين وسحلهم في شوارع مقديشو بعد سقوط طائرتهم .
السعودية .. المتهم المثالي الآن ، يمكن لنا فهم موقف عمدة نيويورك ، عندما رفض بازدراء العشرة ملايين دولار التي قدمها الأميرالسعودي الوليد بن طلال بعد أيام من حادثة تفجير برجي مركز التجارة العالمي. ووفقا ” لبورصة لوكربي ” كان عرض الأمير السعودي بخسا.
فالعشرة ملاين دولار لا تساوي سوى تعويض عن ضحية واحدة من الثلاثة آلاف شخص الذين قضوا في الحادث – هذا إذا لم تكن أسهم البورصة قد ارتفعت -، وإن لم تضف إلى التعويضات، غرامة ” نخيط ” الملك سلمان وتعمده إهانة رئيس الدولة العظمى، بعدم خروجه لإستقبال أوباما في مطار الرياض الشهر الماضي.
وفي أقل تقدير، لن يقبل الأميركيون بأقل من 300 مليار دورلار كتعويض لعائلات ثلاثة آلاف ضحية، أي ما يعادل 40 في المائة من الأموال والأصول التي هدد النظام السعودي بسحبها من أميركا .
هذا لا يعني أن النظام السعودي قد تورط فعلا في الحادث، لكنه ـ بالنسبة للأميركيين ـ المتهم الأفضل والمثالي لإغلاق ملف القضية.