(معنى الثقافة القرآنية)

بقلم / عبود ابو لحوم

إن الثقافة العامة وحدها لا تغني عن الثقافة القرآنية، فالمُثقف مهما بلغ من الدرجات العلمية قد يكون أُمُياً، إذا لم يدخُل حياة المسيرة ويّحيى هذه الحياة من الداخل، أي من خلال المعاناة اليومية للمشاكل السياسية والتنظيمية والعقائدية والعمل الشعبي، وسيبقى الفرد مُتخلفاً فكرياً وثقافياً إذا لم يقرأ تُراث المسيرة، ويَعِي مراحل نشوئها ويطلع على كل التيارات والقوى الفكرية والسياسية التي ناهضتها في الماضي والتي تُحيط بها اليوم.

الثقافة القرآنية لا تعني مُجرد القراءة والحفظ وترديد الشعار، لإنها حصيلة للمواقف النضالية و عنوان التضحيات، بل إنها ثمرة إقتران فكر العقيدة بالعمل الثوري الميداني، فثقافة السياسية والتنظيمة والشعبية والنظرية هي وجوه متعددة لا تأخذ شكلها العقائدي القرآني إلا إذا أرتبطت بحياة نضالية يومية، فالفرد العادي كان جندي أو فلاح أو موظف الذي يعيش داخل المسيرة القرآنية ويشارك في كل التحركات ويحدد سلوكة اليومي على ضوء شعورة الإيماني وبمسؤوليتة الفردية والجماعية نحو الأمة، قد يصل بثقافتة العملية إلى تجاوز المثقفين الذين يكتفون بالعمل الفكري العام المجرد.

ثقافة المسيرة تتمتع بخصائص تميزها عن الثقافات وإن كانت تسير في حدودها ما يتناسب مع إستيعاب العضو فيها، إلا إنها ثقافة ثورية متصلة بالفكر، كما تتطلب إستمرارية التثقيف سياسياً وتنظيمياً وشعبياً متصلاً بفكرة المسيرة والحياة اليومية للعمل في كل ميادين النضال.

ثقافتنا القرآنية سياسية من منطلقات هُدى الله، والمسار في الجانب السياسي يتطلب وعياً شاملاً وناضجاً للواقع السياسي الإسلامي والعربي والعالمي وعلى وجهة الخصوص في الأقطار العربية، ومعرفة التركيب لهذا الواقع أي التيارات السياسية وبمدى قوتها ونوعيتها وطبيعة إرتباطها بشعوبها ومواقفها من قضايا الأمة العربية والإسلامية، كالصراع مع الإستعمار ومع الصهيونية العالمية ومع قوى التخلف وعملاء الإستعمار بمنطقتنا وموقف المسيرة منها وموقفها من المسيرة وقيادتها .

فالثقافة السياسية من المنظور القرآني تتجلى في درجات من الوعي، فدرجة الوعي السياسي ليس بالضرورة أن ترتفع عند العضو إلى درجة الوعي عند القيادي، إلى أن الجميع ينطلقون من منطلق واحد وهو الحاجة إلى تكوين منطلق سياسي يحلل الأوضاع والضروف على المستوى الداخل والخارج على ضوء فكر وثقافة المسيرة القرآنية .

ثقافتنا تنظيمية إلا أن هويتنا الإيمانية تميزنا عن سائر الأحزاب ، لها تركيب تنظيمي تحدد علاقة العضو بهويتة الإيمانية وعلاقتة بالمسيرة وعلاقة القاعدة بالقيادة، في إطار الوعي الشامل بواجبات العضو وواجباته ومُمارستة للحقوق والواجبات، أما العضو القيادي فلا بد أن تتجاوز مهمتة الإطلاع على الأنظمة الداخلية للحركات السياسية الثورية في العالم وإقامة المقارنة بنظامنا الداخلي ونظامها، وإدراك الصلة بين النظام الداخلي والأسس الفكرية لهذه الحركات الثورية في العالم وتحديد نقاط الإقتراب والإفتراق والتشابة والتناقض.

الثقافة الشعبية القرآنية متفاعلة مع قضايا الشعب الحيوية اليومية الإقتصادية والإجتماعية فعضو المسيرة لا تكتمل ثقافتة القرآنية إذا لم يكن لها مضمون واقعي مرتبط بالمشاكل اليومية مع العمال مع الفلاحين مع كل شرائح المجتمع في الريف والحضر ولن تكتمل إذا لم تقترن معرفة الأساليب في العمل الشعبي.

إن ثقافتنا القرآنية نابعة من مستلزمات الثقافة الثورية التي تميز فكرتها عن سائر الأحزاب فهي ثقافة عقائدية تنظر إلى الثقافة السياسية والتنظيمية والشعبية من منظور منهجية قرآنية منها ومن خلالها تعالج أمور المجتمع من أمراض العصر وأزمة التخلف الواقع في حياة الأمة في جميع جوانب الحياة وتربط إرتباط قوي بين عقيدة الامة ووحدتها وحريتها وماضيها وحاضرها ومستقبلها، وفي علاقتها بالعالم والتقدم البشري كل هذا لابد أن تكون الأفعال والإتجاهات مرتبطة وراسخة في ذهن ونفسية وتحرك عضو المسيرة القرآنية.

إن ثقافة المسيرة القرآنية حركة نضالية مستمرة مادتها الشعوب المسلمة لأقامة الحق والعدل والحرية وترتبط بعلاقات متينة مع كل حركات التحرر في العالم ضد الأستعمار، فالتشبع بثقافة القرآنية ، لا يعني الإنغلاق عن العالم بل الإرتباط الإيجابي معه، وربط الثقافة بالواقع الحي في جميع الجوانب، ووضع الثقافة في المكان الذي تتطلبها معركة الامة في سبيل تقرير مصيرها وتحقيق أهدافها.