ما هي أبعاد الانتصار في مدينة حزم؟
استعادة مدينة حزم، عاصمة محافظة الجوف الحدودية، تفتح الطريق أمام الجيش وأنصار الله نحو استعادة محافظة مأرب بالأسلوب نفسه، وربما تقلب المعادلات الميدانية برمّتها في الحرب على اليمن، لكنَّ انتصار الجيش وأنصار الله يعتمد في الصراع داخل اليمن على أخلاقيَّة سياسيّة ترجّح الكفّة لمصلحتهما.
عاصمة الجوف الحدودية مع السعودية شرق اليمن، هي مركز الثقل الذي اتخذته السعودية والإمارت منطلقاً للهجوم على صنعاء وصعدة أو للدفاع عن المحافظات اليمنية التي تتمركز فيها قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي بدعم من التحالف السعودي.
بعد سقوطها في العام 2014 في أيدي التحالف السعودي، تمركز في المدينة معظم وحدات الألوية والكتائب والوحدات المدرّبة والمجهّزة بأحدث أنواع الأسلحة والمدرعات الحديثة والمحمية بالطائرات السعودية وصواريخ باتريوت الأميركية.
لذا، تدلّ استعادتها إلى حضن الجيش واللجان على زلزال صاعق في موازين القوى السياسية والعسكرية، من المتوقع أن يتكرر بالطريقة نفسها قريباً لاستعادة مأرب، وتدلّ في الوقت نفسه على مرحلة جديدة للحسم العسكري والسياسي على الأراضي اليمنية.
الإصرار السعودي والإماراتي على رفض خطّة السلام التي تقدّم بها الجيش واللجان من طرف واحد، دفعهما إلى الرد العسكري في عمق الأراضي السعودية ضد المرافق الحيوية عبر الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة.
وفي هذا الاتجاه، ردّ الجيش واللجان على خرق هدنة الحديدة بالتوغّل في الأراضي السعودية وتحقيق انتصارات ملموسة في المعارك الميدانية التي كسرت تفوّق التحالف العسكري وأرست توازن الردع.
ولا يزال الجيش واللجان يطوّران الطائرات المسيّرة ومنظومة الصواريخ الدقيقة التي كشف عنها مؤخراً الناطق باسم القوات يحيى عسير، وهي منظومة “فاطر 1″، و”ثاقب 2 و3″، فضلاً عن “ثاقب 4″، الأكثر دقة وتطوراً، وهو قيد الاختبار.
لكنَّ المعركة التي أدّت إلى انتصار الجيش واللجان في الجوف واستعادة العاصمة حزم، اتخذت أسلوباً مغايراً لا يعتمد على القوة النارية والقوّة العسكرية وحدها، بل اعتمد الانتصار في المقام الأول على الأخلاقية السياسيَّة في التقرّب من قبائل المحافظة وفكّ الطوق الذي يقيّد به التحالف السكان والأهالي، بدعوى الدفاع عن الشرعية ضد “إيران وجماعة الحوثي”.
عقد الجيش واللجان اتفاقاً سلمياً مع قبائل بني نوف والشولان والمحابيب والقفمان وباقي القبائل لسحب أبنائها من المعركة وتكليفهم بتأمين قرى المدينة ومزارعها. وفي الوقت نفسه، أطلق الجيش واللجان سراح مساجين الأمن السياسي، وتُرك الخيار للمجنّدين في قوات هادي بالبقاء مع أهاليهم أو الانسحاب سالمين من المدينة.
وبعد فكّ الطوق عن القبائل والأهالي، سلّمت الإدارة للسلطة المحلية في الجوف. وفي هذا السياق، عقد الجيش واللجان اتفاقاً مماثلاً في منطقة السلمات لتأمين الطرقات وطرد قوات هادي.
هذا الانتصار الَّذي تحقق في المقام الأول بإثبات أخلاقيات الجيش واللجان في الحرص على اليمن والسكان فوق أي اعتبار آخر، لم تدرك أبعاده السعودية والإمارات والأطراف المنضوية تحت جناحهما، فانقسمت هذه الأطراف على نفسها على إيقاع الصاعقة، بكيل كلّ منها الاتهامات للآخر بالخيانة والخذلان.
وفي هذا السّياق، اتهم محافظ الجوف المحسوب على السعودية “لواء القوات الخاصة” المحسوب على الإمارات، بقيادة محمد الحجوري، بالهروب من المعركة، بينما اتهم المحسوبون على الإمارات حزب الإصلاح ببيع الجوف للحوثيين.
وفي الأبعاد المرتقبة لمعركة الجوف في استعادة العاصمة حزم، فإنَّ معظم المحافظات اليمنية الأخرى مهيأة للموافقة على أسلوب الجيش واللجان في تحرير اليمن من سيطرة التحالف، والنأي بنفسها عن تدمير اليمن ومآسي أبنائه الإنسانية، لمصلحة دول التحالف التي لا تخفي مطامعها في ثروات اليمن.
التناقضات البيّنة في سقطرى بين الجماعات الموالية للسعودية واليمن، تدفع الأهالي أكثر فأكثر إلى المطالبة بمواجهة ما باتت تصفه مؤخراً بقوى العدوان، وتشير إلى مطامع الإمارت في الجزيرة.
وفي المهرة، يتناحر الأهالي مع السعودية والمحافظ المحسوب عليها، راجح سعيد باكريت، ويشككون بالمحافظ الجديد الذي عيَّنته السعودية محمد علي ياسر، رفضاً لمطامع السعودية في مدّ أنبوب النفط على بحر العرب. وربما تترقب هذه المحافظات وغيرها شرارة التغيير من صنعاء.