عام على العدوان… هنا #اليمن والضمير العالمي في عطلة!
فائز الصلوي
كان وقت تناول الغداء قد حان بالفعل، وأي واحد من هؤلاء الأطفال مطمئني البال سيكون ضحية؟ من المستبعد أن يكون هذا التوقيت ظالما ومتواطئا فيما سيحصل، ربما كان التوقيت مثاليا وملائما فحسب، لا أعرف بالضبط كيف كانت ملامحهم وهم جالسين حول مائدة الطعام، والأرجح أنه كان بإمكانهم سماع هدير الطائرات الحربية السعودية، وقتذاك، اهتز المنزل وتم تسويته بالأرض، وفي لحظة ما انتهى الأمر، ثمانية أطفال يمنيين وامرأتين من عائلة واحدة استشهدوا، بينهم طفل لا يتعدى عمره العام، وجدت جثته وسط الركام والرضاعة ما تزال في فمه فيما جرح سبعة آخرون من أقربائهم ومعارفهم.
شهوة القتل كانت نهمة ومخزية إلى أقصى الحدود، لكن لا يبدو أنها تنتصر، عدوان التحالف السعودي الاميركي مستمر، وهذا هو عامه الثاني، اليمن عنيد ولم يستسلم بعد، وهو حينما يركب رأسه فهو يغضب بشراسة، ويتكيف بيسر وسهولة مع هوائل الأمور، ويمكنك أن تتخيل بوضوح وتسمع قهقهات أطفال قرية الصفرة بمحافظة صعدة وهم يركضون ويلعبون لعبة الغميضة بين أطلال ذلك المنزل الذي قصفه الطيران السعودي الأرعن.
كل شيء هنا دفعته بأموالي، ومن كرمي، استمتعوا إذن بوقتكم يا يمنيين مع أسلحتي، وأنتم تعلمون جيدا أنه ينبغي علي ذلك، انغلقت دائرة القتل والخراب وبدأ التشغيل، بدأ ليل 26 مارس/ آذار 2015، ومنذاك، استعد اليمن لتلقي الأسوأ دوما، بدأ لكل الأسباب غير الصادقة التي يمكن توقعها، والتي يروج لها، لقد أسموها قصة “تحرير اليمن”، بينما شهد اليمنيون عرضا حيا بطولته 11 جنسية تعمل ضمن صفوف قوات المرتزقة، وشخصيات سياسية كرتونية، تم إضفاء صفة الشرعية عليها، ومسوخ آدمية تحارب باسم الطائفة، محض خداع ووعود وكلام، لا يمكن أن يكون ذلك خيرا، يا للعار، إنها مأساة، وذاكرة عام محتشدة بتفاصيلها، إنه العالم المتوحش ها هنا في اليمن.
الموت ليس شريرا، ولا يحب إيذاء البشر، ولا يحب رؤيتهم يتألمون؛ لماذا إذن اليمنيون غاضبون؟ تسأل السعودية، وحسب اعتقادها فهو أمر جيد، وهو ما كان مطابقا لأخلاقها المعهودة، الابتذال ونبرة التسلط، وهي لا تستطيع تحمل قصة يمن ليس طوع أمرها، ولن تجد الراحة حتى تتمكن من حل مشاكلها العويصة، واليمن إحداها، إلا بهذه الطريقة، من هنا بدأت القصة، قصة عاصفة الحزم.
تداخلت أيام وليالي العاصفة مع بعضها البعض، وتحولت إلى عوالم إجرامية مصغرة، عوالم تحولت هي فيها إلى سهم خاسر، ولأنها لا تفكر في أي شيء عدا تنفيذ الأمر بالشكل الصحيح، فكان كل شيء يتبع الغريزة.
فوضى غير معقولة، وكل ما عليك إلقاء نظرة سريعة على المناطق “المحررة”، جنوب اليمن محتل، وفي نظر وبتصرف شبه كامل لتنظيمات الإرهاب، إن للسعودية فكرها الخاص، ثمة خطة كبرى، وهذه الخطة قوامها التطرف وإدارة التوحش، إنها قصة ضخمة حقا، وأكثر تعقيدا بكثير من طلب رئيس دولة مستقيل وفار العون والاستشارة من حلفاء، هم أعداء أصلا، لاستعادة “شرعيته”، إنها خطة جزء من كل، وأظننا التقينا بها من قبل، في ليبيا، ربما.
عانى اليمن من أجل البقاء، والسعودية عبثت ما شاء لها العبث، كانت نشرات الأخبار، المؤيدة والممولة لها، وما تزال، تهتم باستضافة أمهر المحللين السياسيين وأنبل النُساك الإنسانيين، كانت تهتم بسرد الانتصارات الوهمية الشيقة، والحكايات التي ستثير النفسيات المتصادمة والفتن الشعبية، تظاهرت السعودية بأنها أعز وأقرب صديق للمعجبين المؤملين على عاصفة الحزم، لكنها في حقيقة الأمر كانت تحتقر الكل فعلا.
نحن لا نفهم هذا الحق في التخلص من حياة الآخرين؛ هل هذا مكان يروق للسعودية قصفه حتى؟! يسأل الناجون وعائلات الضحايا باستنكار، والذي حدث هو أن واحدة من قنبلتين ألقيتا من غارة جوية للتحالف على أحد مساجد قرية الوهط، شمال عدن، لم تنفجر، فيما أودت القنبلة الثانية بحياة 11 شخصا من المصلين، ربما حرصت السعودية على التأكد من قيامها بأفعال شائنة، ولكي توضح أنها لا تمزح قط في اليمن، يا له من سيرك محترف.
ولتبين السعودية ازدرائها على أكمل وجه، أو على الأقل عدم اكتراثها الجدي باتخاذ كل ما يلزم لتجنب استهداف حياة المدنيين، هي لم تعد تجد نفسها ملزمة على أن تفعل ذلك، ولا على أن تتظاهر بأنها تسعى وراء ذلك حتى، والمتحدث باسم العدوان أعلن، غير مرة، مناطق مأهولة بالسكان مناطق عسكرية، وبالتالي أهدافا مشروعة، وبرغم هذا كله، كان الضمير العالمي يقظا ولماحا جدا، وبما يكفي ليدير ظهره لانتهاك جسيم مثل هذا للقانون الإنساني الدولي.
الجو حزين والرثاءات مؤثرة جدا، ويا لها من طريقة لتموت أم من دون ألم وفلذة كبدها بين ذراعيها، عائلة حُرمت حتى من الذهاب إلى القبر برفقة عائلتها، رفاة يمني اخر كان ما يزال تحت أنقاض منزله الذي استهدفته غارة جوية قبل اشهر، وبشق الأنفس نجح السكان وعمال الإنقاذ في انتشال جثة زوجته وهي محتضنة لطفلتها، وانتشال جثتي طفليهما الآخرين متفحمتين.
اعتمد تحالف العدوان السعودي على كل ما هو جالب للفناء، ليُبقي أفقر بلد في الشرق الأوسط، اليمن، على قيد الحياة، كان استهداف البنية التحتية المدنية مكتوبا بالفعل في رأسه، حصار مطبق على موانئ ومطارات ومنافذ اليمن، نقص حاد في امدادات الكهرباء والدواء والغذاء، وكم من المرافق والمنشآت الأساسية أُغلقت نهائيا، أو ألحقت بها أضرار، بسبب ذلك.
هناك نوع من الطقوس المتكررة تؤديها طائرات العدوان نفسها في كل مواقع الجريمة، تضرب الطائرة ضربتها الأولى، وعند ازدحام مسرح الجريمة، حيث سقط الضحايا المدنيين، بالمسعفين وطواقم الإنقاذ، تأتي وتضرب ثانية، حدث مثل هذا مرارا وتكرارا، وهذا ما يجعل الأمر مجرما جدا.
لعله مكان جيد من أجل قتل أحدهم؛ هل كان وجود ابنة مزارع يمني، 18 عاما، مع ابن أخيها، بالقرب من بقرة، أثناء حلبها، مغريا كفاية ليكونا هدفا عسكريا استراتيجيا لصاروخ مقاتلة سعودية، قذف بهما مسافة 50 مترا عن المزرعة؟ ربما يأتي هذا بنتيجة عظيمة، من يدري؟!
هكذا تصرف الموت كما يحلو له، طيلة عام، في عموم أرجاء اليمن، ومع عنجهية الضربات الجوية لتحالف العدوان، فقد كانت مجازفة أن يلتزم السكان المحليين مطارحهم المستهدفة، ومجازفة مماثلة أن ينزحوا إلى مطارح أخرى حسبوها آمنة.
وهذه عائلة قررت النزوح فجرا من حي الجحملية بمدينة تعز، بعد استهداف غارة جوية لمدرسة أروى في نفس الحي ليلا، وبينما كان الابن يُحكم اغلاق الباب، سقط صاروخ آخر وسط المنزل، وأدت قوة الضغط الناجمة عن الانفجار إلى قذفه في الهواء، هو وشقيقاته الثلاث ووالدته، وتطلب الأمر 12 ساعة من وقوع الهجوم للعثور على جثته.
لماذا تظن السعودية أن بوسعها استهداف حياة المدنيين مرات أخرى بدم بارد؟ تجيب السعودية؛ وكما لو أن هناك من يكترث! دول الولايات المتحدة وبريطانيا، وباقي الدول التي لديها الكثير من البزنس مع السعودية، قادرة على تفهم ذلك، وهذه الدول نفسها هي سادة الضمير العالمي الذي يراعي السعودية أكثر من اللازم بسبب ذلك، الأمر كذلك دائما.
بُح صوت المنظمات الدولية وهي تناشد الدول المصنعة للأسلحة والذخائر وقف شحن صادراتها، نحو 30 مليار دولار عام 2015، إلى جميع دول التحالف السعودي، والتي تستخدمها في قتل المدنيين وتدمير المنشآت المدنية في اليمن، لكن من دون طائل، ليس هذا فحسب، بل ووصل الأمر إلى افشال مساع لاستصدار قرار في مجلس حقوق الإنسان يدعو إلى تشكيل لجنة دولية تعنى بالتحقيق في الانتهاكات المرتكبة من قبل كل أطراف النزاع في اليمن، إرضاءاً للسعودية طبعا.
وهذه قنبلة عنقودية، أمريكية الصنع ومحرمة دوليا، تم إلقاء حُزم عشوائية منها من إحدى طائرات التحالف، لم تنفجر لحظة ارتطامها بالهدف، وتحولت إلى لغم أرضي في إحدى قرى محافظة صعدة، وشاء القدر أن يدوس عليها طفل لا يتجاوز عمره الثالثة عشرة، متسببة بجروح عديدة في ساقه اليسرى.
وربما من محاسن الصدف! أن يتزامن أعنف الهجمات على المدنيين في اليمن مع افتتاح أعمال الدورة السبعين لإجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الضمير العالمي في عطلة على كل حال.
تعرف طائرات العدوان ما يفكر فيه الآخر دائما، ولا حاجة بها لتقوم بالواجب في أوقات بعينها، إحداها حضرت، من دون دعوة، إلى حفل زفاف في منطقة “واحجه” بمديرية ذوباب بمحافظة تعز، وغنت أغنية “حبي لكم خطأ”، وأخذ الحفل يرقص على أنغامها الهادئة للغاية، والمحصلة 135 شهيدا، معظمهم أطفال ونساء، وعشرات الجرحى.
أي معتوه يفعل هذا؟! كان مهندسو محطة توليد الطاقة الكهربائية بمدينة المخا الساحلية، قد نجحوا في عملهم، وعاد التيار الكهربائي، بشكل متقطع، إلى الكثير من أحياء مدينة تعز، بيد أن ذلك حز في نفس العدو وأغاظه، ونفذ غارات جوية متتالية على سكن مهندسي وعمال المحطة.
استشراء الألم والمعاناة، والأمل، هذا ما كان ينقضي فعلا في أيام وليالي عاصفة الحزم.
تقول ناشطة يمنية على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”:
“اضطررت إلى تلبية دعوة عرس، تخففت من هواجسي وذهبت، بعد دقائق سمعت النشيد الوطني يصدح بقوة في القاعة، وفي موقف مهيب وجدت كل النساء وبالأخص كبار السن والعجائز منهن يقفن بشموخ وعزة لم أرها في حياتي، تسارعت دقات قلبي، وقفت وعيناي تدمعان من رهبة الموقف ومن الفرح والوجع ، وحيال هذا الموقف لا تملك إلا الفخر بيمنيتك”.
اليمني لا يعدم الحيلة، وحتى مخلفات المواشي تم عجنها مع مواد أخرى بطريقة ما، ولا تحتاج بعدها إلا إلى قدح النار فيها لتضيء غدرة المكان.
ماذا لدى السعودية الآن؟ كل همها هو الانسلال من هذه القصة بأقل قدر ممكن من الخسارة