المرتزق والمرتزق الوطني

د.-أحمد-صالح-النهمي

د. أحمد صالح النهمي

المرتزقة ليسوا فقط أولئك الذين رأيناهم في قاعة مؤتمر الرياض، وقد استطاع المال السعودي الحرام أن يختزل المسافة الكبيرة بين تياراتهم المتباينة حد التناقض الصارخ، فرأينا الحداثوي يتماهى في بيان مشترك مع الأصولي التقليدي، ورأينا الاشتراكي الماركسي يذوب في أحضان الرجعي الملكي، وأدعياء الناصرية مع أعداء الناصرية في خندق واحد يجمعهم هدف واحد، ويلهجون على اختلاف قلوبهم بلسان واحد يزجي آيات الشكر والعرفان لمن يقتل أهلهم ويدمر وطنهم في مفارقة ستظل شاهدة على جرائم المعتدين وخساسة من شرعنوا له العدوان.
ليسوا هؤلاء وحدهم المرتزقة الذين أثروا على حساب دماء أطفال اليمن، فثمة مرتزقة من نوع آخر، مرتزقة يتاجرون بأقوات الناس، ويتواطأون مع من يتاجر بالمشتقات النفطية في الأسواق السوداء، ويستغلون ما أوكل إليهم من مهام في الشأن العام في ابتزاز خلق الله ونهب أموالهم، وهؤلاء في الوقت نفسه يتدثرون ثياب الوطنية، ويهتفون ضد العدوان،  ويقودون المظاهرات المناهضة له، ولكنهم في الحقيقة لا يختلفون في شيء عن مرتزقة الرياض، بل هم أشد قبحا، وأكثر خدمة للعدوان من مرتزقته الظاهرين للعيان.
لا أخشى على الوطن من الحرب العسكرية الدائرة مهما بلغت قوات العدوان، ومهما امتلك من عتاد حديث، فلا يمكن لهذا الوطن أن يعرف الهزيمة؛ لأن جبهات القتال لا مكان للمزايدين والدجالين في أوساط رجالها المدافعين عن كرامة الوطن والذائدين عن حياضه، ولكنني أخشى على الوطن من الانتهازيين الذين يتلونون كالحرباء، فتراهم مع كل تغيير يتبوأون مقدمة الصفوف، لأنهم يمتلكون مؤهلات التسلق ويجيدون أساليب التزلف التي تمكنهم من الوصول إلى حيث يريدون .
إن أسوأ المرتزقة وأشدهم قبحا هم أولئك الذين يدعون انتسابهم إلى قوى التغيير الثورية، لأن هذه القوى تدفع كل يوم قرابين حرية الوطن وضريبة استقلاله وثمن سيادته من دماء شبابها الغيورين في ساحة الكرامة وميادين العزة، فكيف تنسجم هذه التضحيات الكبيرة مع سلوكيات هؤلاء المرتزقة المنافقين.
إن الشعب اليمني هو من أعظم شعوب الأرض صمودا، وأشجعها دفاعا عن كرامته، وأشدها حبا لوطنه، وأكثرها استعدادا للتضحية والفداء، ولن تستطيع أقوى أسلحة العدوان أن تنال من صموده أو تحد من كبريائه أو تخفت من عزيمته، بيد أن هذا الشعب الكريم لا يمكن أن يتسامح إطلاقا مع من يتكسبون من دماء أبنائه ويحققون ثراءً على حساب معاناته، سواءً أكان هؤلاء من مرتزقة الخارج أو من مرتزقة الداخل، وهذا الأمر يوجب الوقوف أمامه بمسؤولية كبيرة، فلا يكفي تشكيل أفراد لتقييم الأداء، والنظر في الشكاوى، بل لا بد من إيجاد مؤسسة رقابية تستطيع أن تقوم بدورها على الوجه المطلوب، وأن تبدأ أولا بأولئك الذين أساءوا استغلال مناصبهم في الشأن العام في التواطؤ مع الفساد والتغطية على المفسدين والشراكة معهم.
ظلال شعرية:
كبِّرْ على كل من باعوا كرامتهم
وما استحوا حين باعوها ولا خجلوا
تقاسموا نشوةَ الأنخابِ منْ دمِنَا
ومن دماءِ بنينا، أولمــــــــــوا ، ثملوا
الخائنون مرايا الشعب تفضحهم
تُذِلُّهُمْ حيثما حَلُّوا أو ارْتَحَلوا